الأحد، 17 مارس 2013

التظاهرات وتناقضات المالكي


التظاهرات وتناقضات المالكي





عراق العروبة

د. عماد الدين الجبوري



منذ الوهلة الأولى لإنطلاقة التظاهرات في 23-12-2012 أخذ نوري المالكي يزيد من رصيده التناقضي تجاهها. فقد وصفها بالفقاعة، والنتنة، وعلى المتظاهرين أن ينتهوا قبل يُنّهوا، وصولاً إلى نعتها بالطائفية المدعومة من الخارج. ولعل سعير إضطرابه أوصله أن يكرر في الأيام القليلة الماضية: أن الحرب الطائفة على الأبواب. وكأنها مصودة أصلاً.

والغريب في تناقضات المالكي، رغم أنه قد وصل للسلطة عبر المحاصصة السياسية الطائفية المقيتة، التي لن تخرج العراق وأهله إلى بر الأمن والأمان، إلا بالقضاء عليها جذرياً. فهو يتجاهل هتافات وشعارات المتظاهرين السلميين المضادة للنعرة الطائفية، والداعية جهاراً نهاراً إلى وحدة العراق أرضاً وشعباً؛ حيث يتهمها عنوة بالنهج الطائفي. وينسى أو يتناسى مهام "مديرية دمج الميليشيات" المرتبطة بمكتبه، وعدد موظيفيها 130 شخصاً، وميزانية رواتبهم السنوية تزيد عن 193 مليار دينار عراقي. حيث تزج بالعناصر الميليشاوية الصفوية داخل صفوف الجيش، ليستخدمهم في القمع والإعتقال والمداهمة والتصفية وكل أنواع الحيف والجور والظلم والأستبداد بحق الوطنيين العراقيين الرافضين للإحتلالين الأمريكي والإيراني، ولإمعاتهم المتربعين على عرش السلطة في المنطقة الخضراء.

وكذلك يتناسى المالكي في تناقضاته عن مذكرة الإعتقال التي صدرت من مكتبه في 9-2-2013 بحق واثق البطاط، عندما أعلن الأخير عن تشكيل "جيش المختار" الطائفي في الثاني من ذلك الشهر. فما زال البطاط حراً طليقاً غير مكترثاً لدولة القانون التي يتشدق بها المالكي. والدليل ظهوره الإعلامي المباشر، لا سيما مع قناة الشرقية الفضائية.

بل الأنكى من هذا وذاك هو قول المالكي في 15-12-2011 أثناء زيارته إلى واشنطن، عندما سألته صحيفة الغارديان البريطانية: كيف يصف نفسه؟ أجاب قائلاً: "أنا شيعي أولاً". حيث قدم طائفيته على العروبة وعلى الهوية والوطنية. وهكذا إعتراف جلي إنما يعكس العقلية الطائفية التي تنضح عند المالكي شفوياً، وتمزيقه للوطن وللنسيج الإجتماعي عملياً.

هذا ويدعي المالكي أنه قد نفذ مطالب المتظاهرين، ومنها إطلاق سراح المعتقلين! في حين أن الذين أفرج عنهم، أما إنهم أبرياء لم يصدر بحقهم أي إدانة قضائية قط، أو قد أكملوا محكوميتهم ولم يٌفرج عنهم.

 ناهيك بالحديث عن المسرحية الهزيلة التي ظهر بها نائب المالكي لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، وهو ينص على الإفراج عن 350 معتقلاً، ووزع عليهم المصاحف. ولكن ما أن أنتهى التصوير حتى تم إعادتهم لسجن المثنى، بمطار المثنى مقر حزب الدعوة الذي يرأسه المالكي. ولم يطلق سراح غير ثلاثة فقط. وكذلك تم إعادة إعتقال ثلاثة وعشرين فرداً، بعد أيام من نيل حريتهم. ومقابل الأعداد الضيئلة التي أفرج عنهم في شهر شباط/فبراير المنصرم، فأن ما ذكرته وزارتي الدفاع والداخلية تشير إلى أنه تم إعتقال نحو 700 مواطن خلال ذلك الشهر.

أن تناقضات المالكي سوف تستمر، سواء حيال التظاهرات أو غيرها. لذا لا نتوقع منه أية إستجابة حقيقية يلبي فيها حقوق المتظاهرين والمعتصمين. وأن توديع الشهر الثالث وإستقبال الشهر الرابع، لا يعني أن الزمن مفتوح لهذه التظاهرات والإعتصامات.

 فما يجري بالعراق لا ينفصل عما يجري بمحيطه العربي ضد الظلم والطغيان، وأن الحفاظ على سلمية المظاهرات لا يعفي أصحابها بالثأر لدماء الشهداء الذين سقطوا بجمعة "الفرصة الأخيرة" في الموصل، ومن قبلها في مدينة الفلوجة. إذ أن تناقضات المالكي لا تنظر إلى رصاص قواته القاتلة على صدور المدنيين بأنها جريمة، بل ضمن عمليات مكافحة الإرهاب. هذه النظرة التي جعلته يؤمن بعقلية طائفية صفوية تبيح له القتل والإغتيال والإعتقال والإغتصاب.

أن منطق الأحداث الجارية في العراق، تٌنبأ بأن قادم الأيام سيكون فيها منعطفاً تاريخياً جديداً. فتواصل المظاهرات وإستمرار الإعتصامات قد أخذ حيز الحركة الإحتجاجية، وأن تصاعد الإنتفاضة بكثرة دماء الشهداء تؤدي حتماً إلى ثورة شعبية عارمة. خصوصاً وأن عموم الشعب العراقي قد ناله الحيف والجور من سياسة المالكي. تلك السياسة المتناقضة التي طالت حتى الذين يشاركونه بالعملية السياسية. وأن رضى طهران وواشنطن لا يمنع عنه غضب الشعب، وأن ميليشياته المدمجة بالجيش لا ولن تكسر إرادة الشعب، وما بين الغضب والإرادة سينفجر أكثر دوي البركان الشعبي الثائر. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق