«اللاجئان» مسرحية تحكي صعوبة اندماج اللاجئين السوريين
«اللاجئان» مسرحية تحكي صعوبة اندماج اللاجئين السوريين في فرنسا والحنين إلى الوطن
عراق العروبة
عمان / وكالات
عمان – أف ب: على المسرح، يجلس شابان أحدهما يتصفح كتابا والآخر مضمد الرأس يصرخ بأسى وهو يروي لصاحبه كيف صدمته سيارة وسط باريس، قبل أن يقول بمرارة مختصرا معاناة اللاجئين السوريين، «اللعنة، الحياة في فرنسا صعبة جدا جدا. اللغة الفرنسية صعبة جدا جدا!»
هذا مشهد من مسرحية «اللاجئان» للأخوين التوأمين السوريين محمد وأحمد ملص، والتي عرضت باللغة الفرنسية في المعهد الفرنسي في عمان السبت ولمرة واحدة، قبل أن تنتقل لتعرض في فرنسا. ويعيش الأخوان ملص (33 عاما) في فرنسا منذ نحو أربعة أعوام بعد أن حصلا على اللجوء السياسي إثر تعرضهما للملاحقة والسجن في سوريا بعد مشاركتهما في تظاهرات احتجاجية ضد النظام في 2011 .
واقتبس الأخوان فكرة المسرحية من رواية «المهاجران» للكاتب البولندي المعاصر سوافومير مروجيتش، لكنهما نسجاها من واقع السوريين الذين تهجروا بالملايين في العالم منذ اندلاع النزاع في بلادهم في منتصف آذار/ مارس 2011 .
ويقول أحمد ملص «حاولنا من خلال هذا العرض القصير أن نلخص مشاكل آلاف اللاجئين في عموم فرنسا، أولئك الذين يجدون صعوبة في الاندماج بحياتهم الجديدة ويواجهون مشاكل بدءا من اللغة وانتهاء بالموظفين العنصريين الذين عند حصول أي مشكلة يهددونك بقطع المساعدات الشهرية التي تسمى بـ»الكاف»، وهو ما يعرضك للموت جوعا».
ويضيف «الهدف من المسرحية ليس الحديث عن اللاجئين، بقدر ما هو تسليط الضوء على المشكلة من أجل محاولة ايجاد حل لازمة اللاجئين».
ويتابع بمرارة «لماذا لا تدع الدول الناس يعيشون بأوطانهم بسلام؟ لماذا تدفعهم إلى الحرب ومن ثم الهروب واللجوء، ومن ثم تحاول أن تجد عملا لهم وتعلمهم لغة أخرى؟».
وتبدأ المسرحية بمشهد يظهر فيه محمد، وهو جالس في غرفة علقت على أحد جدرانها صورة كبيرة لباريس وبرج ايفل، ممسكا في يد كتاب ومشروب المتة في يده الاخرى، وهو يستمع إلى أغان فرنسية لشارل أزنافور وجاك بريل .
وفجأة يقطع الهدوء بدخول أحمد الشقي المليء بالحيوية والنشاط وهو يرتدي سروالا من الجينز ورأسه ملفوف بالضمادات بعد تعرضه لحادث سير. ويبدأ بالحديث عن الممرضة الجميلة التي عالجته لكنه عجز تماما عن التواصل والحديث معها بسبب حواجز اللغة.
ثم عندما يراجع الشابان ما وصلهما من بريد حكومي، يتفاجأن برسالة فيها إخطار من الدولة بقطع المساعدات الشهرية عنهما .
في مشهد آخر، يتفحصان خارطة المترو الباريسي ويأخذان وقتا طويلا لمعرفة كيف يمكنهما الوصول إلى إحدى الدوائر الحكومية الواقعة في منطقة شاتو روج في الدائرة الـ18 من باريس، للاحتجاج على قرار قطع المساعدات. ويقول أحدهما للآخر «المترو أيضا صعب جدا، فرنسا كلها صعبة جدا، يا الله ماذا عسانا أن نفعل الآن؟».
ويتضمن العرض مزيجا من الكوميديا واثارة لمشاعر حزن في الوقت نفسه، نتيجة معاناة رجلين قدما إلى فرنسا من بلد يشهد حربا ويقيمان معا في قبو تحت الأرض ويحاولان التواصل في ما بينهما بلغة فرنسية ركيكة. ويتأقلمان بصعوبة مع حياة جديدة في ظل حنين دائم يشدهما إلى بلدهما.
ويقول أحمد «نحن لا نريد أن نقدم أنفسنا كضحايا، لكننا نريد الحديث عن مشكلة إنسان مفجوع فقد وطنه وكل يوم يقتل أهل بلده. هذا الإنسان حتى لو وضعوه بالجنة، سيبقى مفجوعا».
ويضيف «فرنسا واميركا والدول العظمى قادرة تماما على (إيجاد الحلول و) وضع الناس باوطانها لكن لا احد يريد ذلك».
ويتابع «فتحت علينا أبواب جهنم في سوريا من داعش ونظام بشار الاسد، وبدلا من أن يطلقوا علينا تسمية ثوار أصبحوا يطلقون علينا تسمية إرهابيين».
وهو أول عرض باللغة الفرنسية للاخوين ملص اللذين قدما خلال السنوات العشر الماضية عروضا باللغة العربية.
ويوضح محمد ملص أن قرار تنفيذ العمل باللغة الفرنسية جاء بهدف «مخاطبة الفرنسيين بلغتهم الأم. فليس من المعقول أن نعيش في فرنسا ولا ننطق لغتهم»، مشيرا إلى أن «للمسرح سحرا خاصا عند الاوروبيين، ويمكنه إحداث تغيير حتى وإن كان بسيطا». ويتحدث عن «عنصرية في فرنسا»، مضيفا «العنصرية هي المشكلة الكبرى (…) هناك خوف دائم عند اللاجئين، اللاجىء لا يتحدث لغة البلد، وهو جديد على عاداتها وتقاليدها، وهذا شعور ليس سهلا».
في المسرحية، يتبادل اللاجئان حديثا حول نظرة الناس اليهم «باحتقار»، إلى درجة يقرر أحدهم الانتحار، ويقول له رفيقه «لننتحر معا يا صديقي».
لكن المشهد يتواصل على نحو أكثر إيجابية وعلى أنغام الأغنية السورية المعروفة «عالمايا عالمايا». ويقول محمد «مهمة الفنان دائما أن يحلم بواقع أجمل». ويعتزم الأخوان تقديم المسرحية في مدينة غرونوبل الفرنسية في اليوم، ثم في ليون ومدن فرنسية أخرى.
ويقول أحمد إن نقل معاناة اللاجئين السوريين لا يعني «أننا ناكرون للجميل. فرغم كل شيء، رأينا الخير في فرنسا (…)، يكفي أنها فتحت أبوابها واستقبلتنا واحتضنتنا وآوتنا».
ويقول محمد «على الرغم من كل شيء، أنا سعيد جدا في فرنسا. ففي هذا البلد نحن نعيش حرية لم نجدها في اوطاننا والدليل هذا العمل المسرحي الذي ننتقد فيه البلد الذي آوانا ووفر لنا الحماية والأمان».
ويرى عبد الله، الطالب الجامعي الذي شاهد المسرحية، «أعتقد أن هذا العمل سيسهل على الفرنسيين معرفة ما يشعر به الاف اللاجئين من الذين اضطروا إلى اوطانهم بحثا عن الأمان».
ويضيف «على الاوروبيين أن يعرفوا أن معظم اللاجئين كانوا يفضلون البقاء في مدنهم وبلدانهم بين أهلهم واصدقائهم بدلا من يعيشوا في بلدان لم يكونوا يعرفوا مكانها على الخارطة من قبل».
0 التعليقات: