أخر الأخبار

.

أضغاث مؤامرات



أضغاث مؤامرات





عراق العروبة
د . عبدالله بن موسى الطاير *




الاتّهام بالمؤامرة أصبح عند مثقفي المشرق العربي، لا يقل خطرًا عن الاتهام بالنازية أو معاداة السامية في الغرب. بينما هي في التكوين الثقافي الغربي جزءٌ أساسٌ من التعاطي مع الأحداث واستشراف المستقبل .

 أثناء الحديث مع أحد الفرنسيين، لفت انتباهي إلى أن المقهى الذي نجلس فيه، يعدّ وكرًا للماسونية. مضيفًا أنه يعرف قياداتهم واحدًا واحدًا. في داخلي تقاطعت السخرية مع الفزع. تغشاني الإحساس الأول خشية من الانزلاق إلى مستنقع المؤامرة، وتملّكني الفزع؛ لأنني أميل إلى تصديقه . 

هذه المقدمة التآمرية، دفعتني إلى هذه الزاوية بعدد من الأسئلة: من الذي غيّر سيد قطب إلى التكفير والعنف؟ لقد كان ميالًا للنقد الأدبي، ولازم العقاد سنين طوال، وتعلق بالدكتور طه حسين، ونسج على غرار "الأيام" سيرته الذاتية "طفل القرية" في تماهٍ يزفّه إلى مكانة طه حسين الإعجاب، وربما بعض من الغيرة الإيجابية التي ما لبثت أن تعرّت على الملأ، بانقلابه على طه حسين ونقده بلا أدب . 

ولمن يرغب مراجعة تاريخ سيد قطب قبل التحول الكبير في فكره وحياته، يمكن أن يجد تراثًا ثريًّا مترعًا بالجمال، وأن لا يخلو من إعجاب غير خفي بكتاب الأدب المكشوف وتفضيل إيحاءاتهم الجنسية على خطب "الوعاظ الثقلاء" حسب قوله . 

عُرف عن سيد قطب منذ سنة 1946 "بكراهيته للغرب كله، واحتقاره لأمريكا واحتقاره للمصريين الذين لا يشاركونه هذه المشاعر" كما كتب الدكتور حلمي النمنم .

 ولكنه في سنة 1948 تلقّى الموافقة من بعثة من السفارة الأمريكية تحت بند "مهمة ميدانية" مفتوحة البداية والنهاية. يا ترى ما الذي حوّله من الأديب الناقد إلى المنظّر الأول للعنف في العصر الحديث؟ كان يفترض أن تروض أمريكا بأحلامها الرومانسية، وحضارتها الناعمة تلك الروح المندفعة في جوفه ليكون أكثر عقلانية وانفتاحًا؟ هنا نقطة مؤامرة أتمنى أن نعاود المرور بها . 

أما المثال الثاني، فقد كان أسامة بن لادن، الذي تحالف مع الأمريكيين حوالي عشر سنوات، خططوا معًا، وتلقّى منهم السلاح، وحددوا له المهامّ في أفغانستان، وتركوه حرًّا طليقًا حتى 11 سبتمبر 2001م ليصبح بعد ذلك مطاردًا، وقتل لاحقًا، ودفن في جوف البحر دون خوف من حوت يونس. الأسباب التي غيّرت سيد قطب شُنِقت معه، وأسرار تحوّل أسامة بن لادن دفنت معه في أعماق البحر . 

العراقي أبوبكر البغدادي مثال آخر، حيث كان قبل سجن الأمريكيين له واعظًا يؤمّ أهل الحي، ويلعب الكرة مع صبيانهم، لكنه تخرّج من السجن خليفة معمدًا معتمدًا؛ أخفته الكرامات عن عشرات الأقمار الصناعية وهو يقف خطيبًا في وضح النهار مبايعًا نفسه خليفة. ولا محالة فعندما ينتهي دوره سيواجه مصير ابن لادن، ولكن بدون بحر هذه المرة؛ لأن "مولانا" أوباما سيكون خارج البيت الأبيض، وبذلك لن يجدوا من يقرأ عليه آيات من القرآن الكريم وهو يُرمى في غياهب البحر . 

منفذ الهجوم على ملهى ليلي في إسطنبول ليلة رأس السنة، عثر معه على 197 ألف دولار يعتقد أنها ثمن المجزرة التي ارتكبها. همس لي شاب إيراني بأن الإرهابي له تاريخ إقامة في إيران، وسبق أن سجن فيها وهرب من السجن. نائب رئيس الوزراء التركي قال -في تصريحات له-: "يبدو أن الهجوم ليس من صنع تنظيم إرهابي فقط، ولكن هناك أيضًا وكالة مخابرات، كان عملًا مخططًا له ومنظّمًا على مستوىً عالٍ". داعش تبنت الهجوم، كالقاعدة في هجمات أمريكا الإرهابية. داعش هي الفاعل، ولكن من المخطط، ولمصلحة من ؟ 

ليس من أضغاث المؤامرة أن أمريكا تخاف من إيران ومن حافظ الأسد وسلالته. فهل ستخاف تركيا ؟  .


* كاتب من السعودية الشقيقة .





0 التعليقات: