أخر الأخبار

.

الانسحاب الأمريكي من سوريا سيناريوهات وتداعيات ؟


الانسحاب الأمريكي من سوريا سيناريوهات وتداعيات ؟



عراق العروبة
أنمار نزار الدروبي


قرار سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا ليس جديدا فهو موجود تحت اليد على طاولة الرئيس الأمريكي وسبق أن لوّح فيه ترامب ، وقد تم الاعتراض عليه سابقا من قبل كبار ضباط البنتاغون بحجة تفادي تكرار الخطأ الذي ارتكبه الرئيس السابق أوباما عندما سحب القوات الأمريكية من العراق، لكن السياسة الأمريكية لا تقف عند حدود رأي جنرالات العسكر، ويبدو أن الرئيس ترامب أخذ بنصح مستشاريه في الأمن القومي لتقدير حجم الخطر الداهم على هذه القوات للمرحلة القادمة بعد صدور تقرير معهد ترانسفور الذي تنبأ بانعطافة سير الأحداث وانتقالها من حروب وكالة الى تصادم جيوش متواجدة على الساحة السورية . 

لقد أشرنا في مقالات سابقة الى اقتراب نهاية حروب الوكالة وسبقنا المعهد المذكور بتقييم أوضاع المنطقة بعد انتهاء توظيف الإرهاب بشقيه الداعشي والمليشاوي، كما أشرنا الى تخبط السياسة الأمريكية في العراق وعدم اتعاضها من الأخطاء الاسترتيجية ابتداء من غزو العراق والانسحاب منه عسكريا ثم السماح لإيران بدفع مليشياتها الطائفية الى دول عربية وإعلان تبعيتها لنظام الملالي الطائفي ... الواقع يشير بوضوح أن الولايات المتحدة الأمريكية بقرار سحب قواتها من سوريا تحاول أن تنأى بنفسها عن تعقيدات الساحة السورية بالاهتمام والتركيز على مصالحها وأمنها القومي، كذلك تعزيز قواعدها الدائمة في الشرق الأوسط بما يضمن حماية إسرائيل وتحقيق التوازن الإستراتيجي الدولي . لقد أثار قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا استغرابا وجدلا لدى الدول المتحالفة معها ضد الإرهاب، ونحن بدورنا سنقيّم هذه الخطوة وما يترتب عليها من نتائج . 

الفرضية الاولى .. 
سنفترض إن الانسحاب جرى بالتنسيق مع روسيا، هذه الفرضيّة تعني موافقة ضمنيّة على إعادة هيكلة نظام بشار الأسد ومنح روسيا مكافئة ضم الأراضي السورية التي تحتلها القوات الأمريكية المتجحفلة مع ميليشيا قسد الكردية، ويبدو أن هذه المليشيا لم يعد لديها أي خيار سوى الارتماء بحضن روسيا والتنسيق المباشر مع النظام السوري، بالتالي قد تم بيعها في صفقة تكون بموجبها مجبرة على تنفيذ الأوامر الجديدة لكي يحسب حسابها ضمن تسوية الوضع السوري. خلاف ذلك لا تمتلك مليشيا قسد الكردية سوى ملاقاة حتفها وتصفيتها من قبل جميع الأطراف خصوصا تركيا وفصائل الجيش السوري الحر، عموما تعتبر ميليشيا قسد قوات من المرتزقة حيث تم استخدامها في مناطق لا يوجد فيها أقليات كردية مثل محافظة دير الزور وغيرها، والجميع يعلم أن غالبيتها من حزب عبد الله أوجلان ألبكه كي(BKK) التي تتخذ من جبال قنديل على الحدود العراقية التركية حصنا لها، ومعلوم إن المرتزقة دائما ينتهي مصيرها في القمامة بعد انتهاء مهماتها القتالية. وهناك احتمال بسحب هذه المرتزقة الى العراق لتنفيذ سيناريو آخر في جعبة حاوي الثعابين الأمريكي .

الفرضيّة الثانية ..
والتي تتوافق مع التصعيد التركي الأخير ضمن سلسلة إجراءات عسكرية واسعة تقوم بها القوات التركيّة وتركز على مطالبة أمريكا بطرد قوات قسد الكردية من منبج وجميع الأراضي السورية الواقعة شرق الفرات ، هذه الإجراءات لم تترك خيار وسط أمام السياسة الأمريكية بحيث وضعتها على المحك ، إما أن تختار أمريكا الوقوف مع حليفها التركي في الناتو أو تختار الأكراد. الواقع يشير بأن تفضيل اختيار الأكراد على تركيا سيؤدي لنتيجة تفكك حلف الأطلسي، ثم اضطرار تركيا أن تذهب لتحالف استراتيجي مع روسيا وربما حتى إيران بما سيشكل خطر كبير على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا معها ، على ما يبدو تم اختيار المحافظة على تماسك حلف الأطلسي وتلبية مطالب الحليف التركي لدرجة الاستعجال بتزويد القوات التركية منظومة الدفاع الصاروخية ( باتريوت ) على وجه السرعة، وهذا مؤشر جدا خطير ينذر باحتمال تصادم عسكري كبير في المنطقة .

الفرضية الثالثة ..
فرضيّة التسوية الشاملة والتنسيق بين روسيا وتركيا وأمريكا، هذه الفرضية هي الأكثر احتمالا للواقع، بموجب هذه الفرضية يمكن لأمريكا أن تحقق بعض الأهداف من خلال التضحية بالأكراد ؟
أولا.. تقوم تركيا مع الجيش السوري الحر بملأ الفراغ شرق الفرات وعلى الشريط المحاذي لتركيا من عفرين الى الحدود العراقية .

ثانيا.. تستلم روسيا الأراضي السورية غرب الفرات بدعم جيش النظام السوري وتكفلها بالقضاء على جيوب الإرهاب في مناطق سيطرتها .

ثالثا.. تتعهد روسيا بموجب هذه التسوية أن لا تسمح لإيران بتعزيز نفوذها في سوريا بما يهدد أمن إسرائيل .

رابعا.. أن يعاد تأهيل نظام بشار الأسد وفق عملية تسوية مع المعارضة السورية استنادا لمقررات مجلس الأمن ومباحثات سوتشي بما يضمن الاستقرار والقضاء على الإرهاب ... بخلاف الفرضيات التي أشرنا إليها آنفا فإن الانسحاب الأمريكي يعتبر خطوة خطيرة جدا، وفي هذه الحالة ستذهب المنطقة الى حرب إقليميّة تبدأ بتصادم الدول المتواجدة على الأرض السورية . 

الحقيقة التي لابد من توضيحها هي أن منطقة الشرق الأوسط تشهد صراعات دولية تتقاطع فيها أجندات ومشاريع لا تضع وزنا للشعوب التي تعيش عليها، لقد أدى هذا الصراع الى تدمير شامل لمدن كبيرة ومناطق واسعة في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وكذلك إحداث تغيرات غير منسجمة على المستوى السياسي والاجتماعي بما في ذلك التغيير الديموغرافي وتهجير الملايين من مناطقهم التاريخية الى دول أوربا وغيرها . 

لعلّ أهم ما يجدر التنبيه له هو استهلاك الأدوات المحلية والمرتزقة في هذه اللعبة الدولية، كذلك تم استهلاك شعوب المنطقة ومصادرة إرادتها وأحلامها بالتحرر من الاستبداد أو العيش بكرامة وأمان على أرضها . لابد أيضا أن نصف جميع الدول المتورطة في هذه اللعبة القذرة بالطمع والانتهازية وعدم الاكتراث بالنتائج الوخيمة عن تدخلها الذي يتنافى مع الأخلاق والقوانين الدولية . 

نتمنى من دول الاحتلال الإيراني والتركي أن تحذو حذو الخطوة الأمريكية وتعلن انسحابها وتترك شعوب المنطقة أن تقرر مصيرها بنفسها . وأن تكف هذه الدول عن دعم الإرهاب بجميع ألوانه الطائفية الإجرامية وخصوصا إرهاب تيارات الإسلام السياسي الساديّة الفاسدة .....

0 التعليقات: