أشباحٌ عارية .. قصةٌ قصيرة
أشباحٌ عارية ..
قصةٌ قصيرة
عراق العروبة
د . عادل الشرقي
كان يمشي في زقاق طويل يلتف به كما تلتف الأفعى .
قال مع نفسه : ربما أخطأت الطريق ، فقد خيل لي إنه طريق سوف يصعد بي نحو القمم العالية ، غير أنه صار يضيق شيئا فشيئا ، وها هو ينتهى عند جدار آيلٍ للسقوط ، ولهذا سأعودُ إلى حيث ابتدأت ، تُرى من أين يأتي هذا الصوتُ المجلجلُ في الآفاق ، وإلى أي بلادٍ يعبرُ هذا السَّحابُ الذي راح يمرُّ من فوقي ، وهل تُراني قد أشرفتُ على نهاية البوح ، وأنا أحدِّثُ نفسي عن ذلك الزمن الذي سيأتي ولا يأتي ؟
ها هي الساعات المتأخرة من الليل تمضي ، بينما تتربَّصُ بي من وقت لآخر ، أشباحٌ ترتدي عُريَها وتمشي تحت ظلالِ زمنٍ قديم ، وتسيرُ معها ظلالٌ لا تستطيعُ العَينُ المُجرَّدةُ تمييز لونها ، وأخيراً جاء الصوتُ من تحتِ أثوابكم وهو يتوجَّعُ قائلاً : أنا صوتكم الهاربُ منكم ، والمُختبيءُ تحتَ جلودكم ، خوفاً من الفضيحة التي لطالما حاولتم التنصُّل منها ، وإنني أعرف أنكم تخشونني ، ولكنني لا أخشاكم ، فأنتم قد تركتم كل شيءٍ غير قابلٍ للعيان ؟
معذرةً ، فقد سقطتُ في بئر أحلامكم منذ ألف عام ، وليس باستطاعتكم مدَّ دلائكم لي كي تخرجوني ، ولم أكن يوسف الذي رماهُ أخوتُهُ في الجُبِّ ، رغم أن الذئابَ قد ملآت المكان والزمان اللذين يُحيطان بي وبكم ، فحاولوا إسكات هذا العواء الذي صار ينسابَ كالظلام فوق الجدران .
دعوني أستحضرُ أياماً طُويَتْ فوق رفوف الزمن القديم ، أو وُضِعتْ على رفوف الزمن الآتي ، إنها أيامٌ جاحظة العينين ، تترصدُ كلَّ زاويةٍ في المكان ، عيونٌ حُمرٌ ينزلُ القيحُ منها ، وهي تكنسُ كلَّ الآهات المتناثرة هنا وهناك ، وعلى امتداد الوجعِ الكامن فيكم ، أو لعلها تستجمعُ لحظات الموتِ التي ملآت هذا الفضاء قبوراً مُدَّتْ مع امتداد البصر .
يا للخيبة ، لقد نسيتُ أن أخبركم ، كيف استحمَّ قلبي ذات يومٍ بالضَّياع وأنا أعبرُ صحراء التمنّي ، وأقلبُ ساعات الصبر ، في وقتٍ لم يعد صالحاً للبوحِ بما هو كامنٌ فيه ، ووعداً مني أنني سأسرد لكم عند طلوع الفجر القادم بقية الحكاية .
0 التعليقات: