أخر الأخبار

.

الشعب يريد اسقاط النظام الجزء (1)هل الشعب مكلف شرعا باسقاط النظام ؟



الشعب يريد اسقاط النظام 
الجزء (1)هل الشعب مكلف شرعا باسقاط النظام ؟ 




عراق العروبة


بقلم / د. سامي الجنابي



بسم الله الرحمن الرحيم

من المعلوم والذي اصبح متداولا حتى عند غير الفقهاء ان الاستطاعة شرط من شروط التكليف وان العاجز عن الفعل لاتكليف عليه وهذه قاعدة اجمع العلماء عليها وتوافرت النصوص الشرعية بتاييدها.

والسؤال الذي يجب طرحه على الذين يكلفون الناس اليوم باسقاط النظام واغلبهم خارج العراق هل هم متصورون لما يقولون؟ وهل هم جادون فيما يقولون ؟وهل عندهم او عند شعبهم القدرة على اسقاط النظام ؟ وهل الشعب العراقي مكلف شرعا باسقاط النظام او الدستور ؟

هذه الاسئلة اقتضت مني ان ابحث الامر باختصار في مطلبين:

الاول: في حقيقة الاستطاعة وكونها شرطا صريحا من شروط التكليف؟

الثاني: مدى تحقق (الاستطاعة ) كشرط من شروط التكليف . 

المطلب الاول : في حقيقة الاستطاعة وكونها شرطا من شروط التكليف

حول حقيقة الاستطاعة في لغة العرب واصطلاح أهل العلم :

الاستطاعة لغة :
تأتي بمعنى الطاقة أو الإطاقة، أي القدرة على الشيء؛ يُقال استطاع الشيء بمعنى أطاقه وقدر عليه. .

وهي استفعالة من الطوع وهوما يصير به الفعل متأتيا. وهي عند المحققين: اسم للمعاني التي بها يتمكن الإنسان مما يريده من إحداث الفعل (مفردات القرآن، 1/924 .

الاستطاعة اصطلاحا:

قال الراغب: "الاستطاعة عند المحققين: اسم للمعاني التي بها يتمكن الإنسان مما يريده من إحداث الفعل وهي أربعة أشياء:

1-بنية مخصوصة للفاعل(قدرة جسمية )
2- وتصور للفعل.(علم تام ودقيق لما يريد فعله)
3- ومادة قابلة لتأثيره (وهو مايسمى القابل عند المناطقة كالخشب الذي يقبل دخول المسمار فيه ).
4-وآلة إن كان الفعل آليا . ( الالة وهي التجهيزات المهمة للفعل ) كالكتابة فإن الكاتب يحتاج إلى هذه الأربعة(قدرة على الكتابة وتصور لما يكتب وورق قابل للكتابة وقلم ) ويضادُه العجز: ( وهو أن لا يجد أحد هذه الأربعة) . فبمجرد انعدام احد الاربعة يحصل العجزاما تاما او غيرتام فاذا حصل العجز اما ان يتحول التكليف الشرعي الى مادونه كما في الوضوء حين ينقلب الى تيمم وهذا في العجز غير التام واما ان ينعدم الفعل الشرعي بسبب انعدام اهم شرائطه وهو القدرة الجسمية والمالية .فيكون العجز تاما كعجزه عن الحج وادواته فانه لاحج عليه . لقوله تعالى (لمن استطاع اليه سبيلا ).
وقال الجرجاني: ص35: الاستطاعة : هي القدرة التامة التي يجب عندها صدور الفعل وهي لاتكون الامقارنة للفعل وقد ذكر من شرطها : ارتفاع الموانع .
الفاظ صريحة في شرط الاستطاعة في نصوص القران
قوله تعالى: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) النساء: 98
وقوله (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) الأنفال:60 ).
وقوله (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) التغابن:16.
.وقوله (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم) (المجادلة: 4) (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني على العالمين) (آل عمران: من الآية 97).. .)

الفاظ دلت بمعانيها على شرط الاستطاعة
وقد ورد في القران مايدل على شرط الاستطاعة بلفظ مقارب . ومن ذلك: قوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة:286. وقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) الطلاق:7. وقوله: (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) البقرة:286. وقوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج:78. وقوله: (يريد الله أن يخفف عنكم) النساء:28. وقوله: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) الطلاق:7. وقوله: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) النحل:106
ونفي العسر (كقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}البقرة:185. وقوله: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) القمر:17. وقوله: (إن مع العسر يسرا) الشرح:6. وقوله: (ونيسرك لليسرى) الأعلى:8).
وقال تعالى ( الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم واقيموا الصلاة واتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا اخرتنا الى اجل قريب )النساء: 99.
شرط الاستطاعة صراحة في السنة
وردت في السنة الشريفة عبارة الاستطاعة بألفاظها الصريحة والقريبة منها ومن ذلك:

1-قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ( . ونص البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم". صحيح البخاري بشرح فتح الباري، كتاب الاعتصام ، وقد قال الإمام النووي عن الحديث المذكور: "هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكَلِم التي أعطيها - صلى الله عليه وسلم -، ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام كالصلاة بأنواعها، فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي (شرح صحيح مسلم، 9/102، 

2-وعن عمران بن حصين – رضي الله عنه -، قال: "كانت بي بواسير، فسألت النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الصلاة فقال: صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنبٍ" (رواه البخاري في تقصير الصلاة رقم (1117) . 

3-حديث أبي سعيد الخدري، قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" (رواه مسلم في الإيمان رقم 49).

معاني الاستطاعة في السنة
ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا من العمل ما تطيقون" (البخاري
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الدين يسر". (البخاري، كتاب الوضوء، باب صب الماء على البول في المسجد، حديث 32 .

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (أخرجه ابن ماجة في سننه، 1/659، والبيهقي:356/7 كتاب الطلاق، والحاكم في المستدرك وصححه ، 2/216.
الاستطاعة في اقوال العلماء :
ونكتفي بنقل قولين لعالمين معروفين لاهل العلم:

1-قال الشاطبي: قال الشاطبي: (ما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعا ) (الموافقات، 1/410).

قال شيخ الاسلام ابن تيمية : تكليف ما لا يطاق لوجود ضده من العجز، وذلك مثل أن يكلف المقعد القيام، والأعمى الخط ونقط الكتاب، وأمثال ذلك، فهذا مما لا يجوز تكليفه وهو مما انعقد الإجماع عليه، وذلك لأن عدم الطاقة فيه ملحقة بالممتنع والمستحيل، وذلك يوجب خروجه عن المقدور فامتنع تكليف مثله.

والاستطاعة وحدها لاتكفي لتكون شرطا من شروط التكليف بل لابد من تحقق عدم لحوق الضرر البالغ بالمكلف حين اداء الفعل والا فيعتبر في عداد العاجزين الذين لاتكليف عليهم قال شيخ الاسلام ابن تيمية :

بَلْ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الشَّرْعِيَّةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَمْ يَكْتَفِ الشَّارِعُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْمِكْنَةِ وَلَوْ مَعَ الضَّرَرِ بَلْ مَتَى كَانَ الْعَبْدُ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ مَعَ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ جُعِلَ كَالْعَاجِزِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الشَّرِيعَةِ : كَالتَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ وَالصِّيَامِ فِي الْمَرَضِ وَالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } ...

فَمَنْ قَالَ إنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْعِبَادَ بِمَا يَعْجِزُونَ عَنْهُ إذَا أَرَادُوهُ إرَادَةً جَازِمَةً فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهُوَ مِنْ الْمُفْتَرِينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ : { إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } قَالَ أَبُو قلابة : هَذَا لِكُلِّ مُفْتَرٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

بعد كل هذه النصوص من الكتاب والسنة والتي ترسخ قاعدة مهمة من قواعد التكليف الاوهي شرط الاستطاعة في كل فعل شرعي ومنه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله ايضا ويدخل فيه تحرير الارض من المغتصبين ومن اعداء الدين ومن المنحرفين والضالين .

اقول بعد كل هذا والذي اصبح من المعلوم من الدين بالضرورة حتى ان عوام الناس يقولون وبسهولة عند العجز (لايكلف الله نفيا الا وسعها ) ياتي اليوم بعض الناس ومنهم من ينتسب الى الخطابة والوعظ اكثر من انتسابه للعلم ليشارك الوطنيين الذين يزعمون انهم سيحررون العراق بالهتافات الفارغة التي لم نجن منها الا الخيبة في الماضي والحاضر و ليكلفوا السنة العراقيين بما لايطيقون من مقاتلة الحكومة وخوض حرب لها اول وليس لها اخر دون نظر في العواقب والدمار الذي سيلحق بالبلاد والعباد .

اني اقول وبمرارة ان بعض المنصات يحيط بها اناس غير مؤهلين لا للقيادة ولا للخطابة وانهم لايدرون مايقولون وكم تمنيت ان يكتبوا خطابهم في ورقة تعرض على اهل العلم منهم واهل الراي حتى ينضبط الخطيب .ولاتاخذه الحماسة فيصرح بما لامصلحة فيه من الكلام والشعارات التي لم يتفق عليها . 

ان الواجب على الخطباء اليوم ان يعلموا ان خطابهم خطاب سياسي لايمثل وجهة نظر الخطيب بل يمثل الجماهير المعتصمة ومصالحها ولذلك يجب ان يكون :ـ

1-ان يكون خطابا شرعيا وهو ان يدخل في طاقة المكلفين الذين يخاطبونهم .
2- ان لا يلحق الضرر بهم او بشعبهم لان القاعدة الشرعية ناطقة بان دفع المضار مقدم على جلب المصالح .
وتقدير الامرين اعني الاستطاعة وانتفاء الضرر يرجع في تقديره الى العلماء والخبراء .

واليوم يخرج علينا بعض الناس بمزايدات غير مفهومة لانها تدل على مايلي: ـ
 
1- اما ان تدل على الجهل المطبق باصول الشرع وقواعد التكليف.
2- او الجهل المطبق بالواقع و بمبادئ الصراع وفنون الادارة.
3- واما على التهور الذي لايؤهلهم لقيادة الميدان .



ان من اهم الصفات التي يجب توفرها في القيادات عند المنصة اليوم :
فلا تكلف الناس مالايطيقون.
 اولا: يجب ان تكون فقيهة بالشرع وقواعده .

ثانيا: ان تكون القيادة واعية وماهرة بطرق ادارة الصراع وعندها من قدرة المناورة والعمل على الاهداف المرحلية كقدرتها على الاحتفاظ بالمبادئ الكلية.

ثالثا: ان تكون منسجمة مع بقية الميادين في المحافظات المنتفضة ولاتكون مغردة خارج السرب .

وعليه فلاينبغي ان يصعد الى منابر الاعتصامات العوام من الناس فيتكلموا بشعارات ربما ينبني على تبنيها نتائج وخيمة من اباحة الدماء واستحلال النفوس والاعراض والاموال.


يتبع...
د. سامي الجنابي
18.02.2013



0 التعليقات: