أخر الأخبار

.

العراق اليوم : دولة طوائف أم دولة مدنية ديمقراطية ؟


العراق اليوم : دولة طوائف أم دولة مدنية ديمقراطية ؟ 




عراق العروبة
د. نصيف الجبوري




بضع سنوات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت كافية لتأسيس السوق الاوربية المشتركة والتي قادتها فيما بعد الى الاتحاد الاوربي والعملة الموحدة. أما نحن في العراق فمنذ عشر سنوات نرى الارتباك السياسي والاقتصادي يخيم على هذا البلد وفي كل مرة تعود بنا الاحداث الى نقطة الصفر.

عشر سنوات مضت على سقوط الدكتاتورية ولا يزال الشعب العراقي يعاني الامرين منذ أستخدم جيش الاحتلال الامريكي الاسلحة المحرمة دوليا عندما خرب البلاد وقتل العباد وانتهك أعراضهم وفرض المحاصصة الطائفية في أسوأ صورها. حتى بات العراق حقل تجارب لمشاريع دولية ليس للعراقيين فيها ناقة ولا جمل.

لا أريد ان استفيض اكثر في الجانب النظري لكنني اود ان أذهب الى ارض الواقع وأرصد بعض الاحداث اليومية لأدق ناقوس الخطر من احداث عايشتها في مناطق عديدة من العراق. وأرى بأن السكوت عنها او اهمالها سيعيدنا من جديد الى الحرب الطائفية المقيتة ويقوض أية محاولة للسير في درب بناء الدولة المدنية. 

تعالوا معي لنرى نقاط التفتيش المنتشرة في كل مكان. فبربك عندما ترى ازدياد صور وشعارات الرموز الدينية على دوائر يفترض ان تكون تحت سلطة الدولة العراقية في حين كان من المفترض ان توضع صورة رئيس الوزراء المنتخب ويرفع العلم العراقي. السنا اقرب الى دولة الطوائف والأعراق منها الى الدولة الوطنية؟.
عندما تجري الاعتقالات الكيدية التي تفتقر الى اوامر قضائية والموجهة الى مكون بعينه يعيش في خوف دائم من المداهمات خصوصا عندما يحدث عمل ارهابي لا يعرف مصدره. يعتقل حينذاك بصورة عشوائية المئات من الشباب لا لذنب اقترفوه انما فقط لأنهم مهمشون وقانون 4 ارهاب لا ينطبق إلا عليهم والسجون لا تعج إلا بهم. ألسنا اذن اقرب الى قانون القوة منه الى قوة القانون؟.

ألسنا في العصور الوسطى عندما نرى قائد الجيش الميداني يأمر بسحل شاب متهم بالقتل او بالإرهاب وهناك من يقول انه بريء. بأي حق يسحله امام الناس وكيف يجرؤ على تعليقه من رجليه في مركز مدينة المقدادية ويتركه ليوم كامل، ينظر الى هذا المنظر المقزز القاصي والداني كالأطفال وتلاميذ المدارس والنساء. ما الفرق اذن بين ارهاب القاعدة وإرهاب بعض قادة الجيش؟. 

اعلن مجلس محافظة ديالى عزمه على رفع طلب الى الحكومة الاتحادية لتحويل المحافظة الى اقليم وفق الدستور العراقي.


 ما هو ذنب العاملين في الدوائر الحكومية والمدارس في انحاء المحافظة من ذلك المكون ان يشار اليهم بالخيانة من قبل المليشيات التي نزلت بقوة الى الشوارع ونصبت نقاط تفتيش موازية للجيش والشرطة وعطلت تلك الدوائر والمدارس آنذاك لأكثر من أسبوع والتي من المفترض ان تكون بحماية الدولة. في حين كنا نسمع بين الفينة والأخرى بأن المليشيات قد حلت منذ سنوات وأصبحت في خبر كان انصدق اعيننا ام الاخبار الحكومية؟. 

لقد تحولت الكثير من المناسبات الدينية الى مظاهر قوة وإبراز عضلات وأحيانا استفزاز الاخر ووصفه بالبعثي الصدامي الارهابي التكفيري الوهابي. اضافة الى ذلك فإن تلك الجماعات تخرج محمية ومعززة بقوات الشرطة والجيش التي باتت هي الاخرى لا ترفع العلم الوطني. أي باقة ورد هذه التي نفتخر بها نحن العراقيون امام غيرنا بعد ان ادركنا بأن تلك الباقة يهيمن عليها لون واحد ومليئة بالأشواك؟.


هل يعقل ان يترك الحبل على غاربه ودون مراقبة للكثير من التجار ورجال الاعمال والأغنياء العبث في قضايا البناء العشوائي والتجاوزات على الشوارع او البناء غير المبرمج وسط البساتين والأراضي الزراعية على حساب اشجار النخيل والفواكه وفتح المحلات التجارية من البيوت دون ترخيص او علم السلطات الضريبية التي ينبغي ان تراقب وتعاقب المتجاوزين وما اكثرهم. ماذا تنتظر الحكومة لوقف هذه الفوضى. أتنتظر معجزة ام ماذا أفتونا مأجورين؟.

هل من الممكن ان يصدق احد من غير العراقيين بأن قوائم الكهرباء والماء لبيوت المواطنين تخمينية حتى هذه اللحظة لأن الدولة ترفض ان تتحمل واجبها لفرض وضع عدادات لحساب الصرف الشهري. مما يفتح الباب للمواطنين على مصراعيه لتبذير منقطع النظير في صرف الماء والكهرباء. وهكذا نسينا الاية القرآنية التي تقول ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين؟.

كنت قد حضرت صلاة الجمعة الموحدة في المقدادية والقى الشيخ بيانا يعبر عن مطالب الناس ولم يدع الى سقوط الحكومة ولم يمس الدستور الذي اصبح اليوم مقدسا. ومع كل ذلك فإن جهاز الامن يبحث عنه في كل مكان لاعتقاله لأن كلمة الحق تقلق وتربك تلك الاجهزة فأي نوع من الديمقراطية نتكلم عنها؟. 

هل يعقل ان يعيش العراقيون في حالة حرب مستمرة ليلا ونهارا منذ عشر سنوات فبالرغم من تضخم الجهاز الامني الى اكثر من مليون شخص فإن نقاط التفتيش المنتشرة في الشوارع لم تحقق الامن والأمان لحد الآن.

 أغلب تلك الاجهزة ليس لها عمل سوى ازعاج المواطنين وخلق زحامات مفتعلة. دون الحديث عن الزحامات نتيجة غلق الشوارع لحماية بيت احد المسؤلين وما اكثرهم او لتسهيل مرور احدهم. أما المظاهر المسلحة في مراكز المدن والأسواق فكثيرة لا حد لها تعسر حياة المواطنين في حلهم وترحالهم. وهكذا نحن في حرب مستمرة رغم انف الاعداء.

نتساءل ويتساءل معنا الشعب العراقي أليس من الحكمة تحويل هذا الجهاز الامني كالجيش والشرطة الى عمال او موظفين منتجين في القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية. او يعملوا على مساعدة المواطنين في المدن والنواحي والقرى لإعادة تأهيل أو تأسيس البنى التحتية. أو توظيف قسم كبير منهم لإعادة تشغيل مكاتب البريد والخدمات العامة كمراقبين لجمع الضرائب وقراءة مصاريف الماء والكهرباء ورصد التجاوزات الانشائية والاعمارية العامة والخاصة؟.

أليس من المقلق حقا ومنذ عشر سنوات ان لا نرى ملامح الشروع في بناء دولة مدنية لا تفرق بين مواطنيها وتحكم بين الناس بالعدل والإحسان. لقد بات من المؤكد بان محاولة تحقيق اي مشروع اقتصادي او رصد عشرات المليارات لميزانية العراق لن تغني عنه شيء. دون اشاعة السلم الاهلي والاجتماعي بين شعبنا ومن دون اعادة الهوية العربية للعراق ودون تغيير المسار باتجاه تعزيز دولة المواطنة. التي لا تفرق بين ابنائها وتعطي كل ذي حق حقه دون تمييز؟ .

' كاتب عراقي



0 التعليقات: