ديالى ... الجوار الإيراني الصعب
ديالى ... الجوار الإيراني الصعب
عراق العروبة
إياد الدليمي
لا
يمكن للدول أو المدن أن تختار جوارها، لا أحد يملك أن يغير جغرافيا
الأشياء، وهكذا كان العراق وكانت ديالى، العراق بجواره الصعب مع إيران
وتركيا، كدول إقليمية غير عربية، وديالى بجوارها الصعب والصعب جداً مع
ايران، وما جر ذلك على المدينة من ألم وثمن كبير دفعته وما زالت.
ليست القصة جديدة، إنها بدأت منذ أن هبت رياح ثورة الملالي على ايران
عام 1979 وما تبع ذلك من أحلام تصدير الثورة، يوم أن قرر الخميني أن يبدأ
طريق تحرير القدس عبر كربلاء، ذات الخطاب الذي يردده نصر الله اليوم، طريق
تحرير القدس يمر عبر الزبداني ومضايا وإدلب.
يومها كانت مدينة البرتقال غافية على ضفاف أنهارها، خريسان وديالى وبهرز
وسدود العظيم والصدور، وغيرها الكثير من الأنهار التي جعلت من ديالى،
خاصرة بغداد الأهم، سلة غذاء بغداد الأولى، خاصة بعد أن تمدنت بغداد كثيراً
ونزعت عنها رداءها الأخضر ولبست لبوس الأسمنت اليابس.
كانت ديالى الطريق الأقرب إلى بغداد من جهة حدود إيران الشرقية، ساحة
للعديد من المعارك، يومها أرادت إيران أن تحقق أي نصر على جبهة ديالى، أي
نصر كان يمكن أن يقربها إلى بغداد، غير أن القيادة العسكرية العراقية آنذاك
كانت واعية، فلقد دعمت جبهة ديالى، حتى تكسرت عليها أعتى الموجات البشرية
التي كان يرسلها الخميني بعد أن يطوق أعناقهم بمفاتيح جنته المزعومة، فما
كان له إلا أن يقتل أبناءها من بعيد، حيث كانت صواريخه تصل إلى مدنها
الآمنة، تقتل أبناءها، تحرق بساتينها، غير أنها كانت عصية، فلم يمس من شعف
نخيلها وقداح برتقالها إلا القليل.
واحتضنت ديالى في عام 1991 أهل بغداد، لم يجدوا سواها مهرباً، فر إليه
نحو 3 ملايين عراقي هرباً من نيران التحالف الدولي، وتكرر المشهد عام 2003،
احتضنت الجميع بكرمها، لم تسألهم، وهم سألوها الكثير، وطالبوها بالكثير،
فكانت بساتينها موئلاً ومزارعها موطناً، وبيوت أهلها ملجأ لبغداد وأهلها،
حتى إذا ما عادوا، عادت ديالى تزرع وتجود بخيراتها.
سنوات طويلة عقب 2003 وديالى تدفع ثمن جوارها الصعب مع إيران، فهذه
المدينة التي ترى فيها إيران منفذها الأقرب إلى بغداد، لم تكن في يوم من
الأيام مدينة مختلطة كما يروج لها الآن في وسائل الإعلام، فالمدينة كانت
ذات غالبية سنية، مع أقلية كردية في المناطق القريبة من الإقليم الكردي،
وبعض القرى الشيعية التي لا تشكل نسبة معتبرة أمام الأكثرية السنية، ولكن
ماذا نقول والإعلام والتاريخ والحقيقة لا يكتبها إلا المنتصر، والمنتصر عقب
2003 ايران وليست أمريكا كما يتخيل البعض.
سعت إيران إلى تغيير ديمغرافي بمحافظة ديالى، كانت المدينة هي الأهم في
حلقة السيطرة الإيرانية على العراق، فلم تدخر إيران وسيلة ولا حيلة ولا
جرماً إلا كان له نصيب من الفعل الإيراني في هذه المحافظة.
كانت الفصائل المقاومة للاحتلال الأمريكي تتخذ من بساتين ديالى ملجأ
لها، فلقد حمت أشجار البرتقال، والنخيل، وأغصان تينها الأسود، رؤوس
المقاومين، كما حمت أنهار المدينة أجسادهم وأرواحهم، أمر لم تجد معه سلطات
الاحتلال، العراقية والإيرانية إلا مبرراً لتهجير أهلها، فعرفت المدينة أول
جرائم حرق البساتين، أعقب ذلك عمليات تهجير القرى، فكانت القذائف
الصاروخية التي تطلق من قرى شيعية باتجاه قرى سنية، وسيلة أخرى، قبل أن
يستفحل خطر المليشيات الشيعية بدعم وإسناد من قبل رئيس الوزراء السابق نوري
المالكي.
لم تكتف الأذرع الإيرانية بعمليات التغيير الديمغرافي لديالى وإنما امتد
إلى تغيير هرمها السياسي، فعلى الرغم من أن المحافظة سنية وبنسبة قد تصل
إلى 80% وهو ما انعكس على محافظي المدينة الثلاثة السابقين، الذين كانوا من
المكون السني، إلا أن الحال تغيير بعد أن تم تغيير قسري ليس لديمغرافية
المدينة وحسب وإنما أيضاً لتوزيع الكيانات السياسية في المدينة، فصار شخص
مثل مثنى التميمي الذي ينتمي إلى منظمة بدر محافظاً للمدينة وهو المعروف
بإجرامه، وأيضاً بانعدام حتى كفاءاته العلمية.
المقدادية وما جرى فيها خلال الأيام الماضية لس إلا جزءاً يسيراً من
سياسة إيران للسيطرة على هذه المدينة السنية، فهي ليست إلا موجة من موجات
الرعب والقتل لإجبار أهلها على المغادرة، وستأتي بعدها موجات أخرى، خاصة
وأن ديالى، وتحديداً سنتها بلا سلاح، فلقد عملت الحكومات العراقية
وبالتعاون، للأسف مع جهات سياسية سنية في ديالى، على نزع سلاح أهلها، بحجة
أن لا سلاح إلا سلاح الدولة، بينما تركت بل وجهزت المليشيات الشيعية في
المدينة، وحتى بعض القرى الشيعية بسلاح الدولة.
سنة ديالى، ومن خلفهم كل سنة العراق، يرددون وبإلحاح، لماذا يبقى السنة
مشاركين بحكومة يتهمونها ليل نهار بأنها تنفذ أجندات إيرانية لتغيير
ديمغرافية ديالى، كما غيروا ديمغرافية بغداد؟
الجوار الإيراني الصعب تدفع ثمنه ديالى كمدينة كما يدفع ثمنه العراق
كدولة، والأصعب منه أن لا تجد قيادات عراقية سنية قادرة على أن تكون بمستوى
التحدي، وطبعاً لن نتحدث هنا عن مجتمع دولي، لأنه حديث لا معنى له بعد أن
أثبت هذا المجتمع الدولي أنه مجتمع للتآمر والمصالح ولا مكان فيه لأصحاب
الحق، ما لم يكونوا أقوياء.
0 التعليقات: