أزمة الصحافة العراقية.. انعكاس لأزمة البلاد
أزمة الصحافة العراقية.. انعكاس لأزمة البلاد
عراق العروبة
محمد الحمامصي
قامت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها على احتلال العراق في أبريل عام 2003 تحت شعار تحرير العراق من الدكتاتورية وتحويله إلى دولة ديمقراطية نموذجية.
وفي ظل الواقع السياسي الذي نشأ بعد الاحتلال برزت إشكاليات عديدة، أبرزها التناقض الصارخ بين الديمقراطية الحقيقة وبين ديمقراطية الاحتلال التي تواجه معوقات عديدة أبرزها الطائفية.
وتناول الباحث حازم العقيدي في دراسة بعنوان “ديمقراطية الاحتلال.. الصحافة في ظل الاحتلال”، موضوع الديمقراطية التي تدعي الولايات المتحدة الأميركية تطبيقها في العراق، واستخدمتها كأحد المبررات لاحتلاله، إذ ركزت على إبراز التناقض بين الديمقراطية الحقيقية من جهة، وديمقراطية الاحتلال وتداعياته الخطيرة على المجتمع العراقي من جهة أخرى.
وسلط العقيدي الضوء على موقف الصحافة العراقية من مسألة الديمقراطية في العراق في ظل الاحتلال، بالتعرف على دورها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق، وتأثير هذا الدور على مستوى اتجاه المواطن نحو الديمقراطية، إذ تعتبر الصحافة مصدرا يتلقى منه المواطن خطابات متنوعة في السياسة ومفرداتها، لإغناء ثقافتها السياسية، والمساهمة في نشر وترسيخ ثقافة الديمقراطية في المجتمع، تمهيدا للتحول الديمقراطي الشامل.
وتطرقت الدراسة الصادرة عن دار العربي للنشر إلى واقع الديمقراطية في العراق بعد احتلاله من قبل الولايات المتحدة، ومدى تناقض مفهومها الحقيقي مع عملية فرضها بالقوة والتي نتج عنها احتلال العراق، بالإضافة إلى معرفة اتجاه المواطنين العراقيين نحو الديمقراطية في ظل هذا الاحتلال وإبراز التناقض القائم بين الديمقراطية كمنهج للحكم يمتد فوق الطوائف والأعراق، وبين الطائفية السياسية بسلبياتها المتمثلة بإثارة الصراعات بين مكونات الوطن الواحد.
وقام الباحث بتشخيص دور الصحافة العراقية وموقفها من مسألة الديمقراطية في ظل الاحتلال ومدى استجابة المواطنين وتأثرهم بهذا الدور، والتعرف على العلاقة بين معالجة الصحف العراقية لمسألة الديمقراطية في العراق وبين مستوى الثقافة الديمقراطية لدى الجمهور العراقي، القوى الفاعلة داخل الخطاب الصحافي المعبر عن قضايا الديمقراطية في الصحف العراقية، وبالنهاية تحليل اتجاهات الصحف العراقية نحو مسألة الديمقراطية والمفاهيم المتعلقة بها في فترة الدراسة.
يرى العقيدي أن تطبيق الديمقراطية في العراق مهمة ليست سهلة، بل تكتنفها الكثير من المعوقات والصعوبات، خاصة إذا فرضت بواسطة قوات أجنبية احتلت البلاد، ولم تكن السلطة القائمة على تنفيذها مقتنعة بها بصورة حقيقية، ما يؤدي إلى تحول المجالس النيابية إلى منتديات لتبادل الخطب المؤثرة وإثارة المشاحنات والانقسامات الطائفية وعرقلة مصالح الشعب وتزوير إرادته.
ولن يسعف العراق في هذه الحالة حضور الموروث الثقافي بكل إرهاصاته الفكرية والاجتماعية، ما لم يتم التغلب على العصبيات المذهبية والعرقية المستفحلة في واقع العراق الحديث، التي أدت إلى غياب ملحوظ لقيم الديمقراطية لدى النخب السياسية العراقية، واستحدثت قيم المركزية والشمولية لدى السلطة، الأمر الذي مهد لنشر ثقافة الخضوع ووحدانية السلوك والامتثال السلبي داخل المجتمع، مقابل تدني مستوى الثقافة السياسية المُساهمة، فضلا عن تفاقم مسألة التمايزات الاجتماعية، بعد احتلال بغداد في أبريل 2003، إذ تحولت الدولة نفسها في ظل الاحتلال إلى مجرد عصبية منافسة لبقية العُصبيات، حيث يفترض أن تقدم نفسها وعاء حاويا لمختلف المكونات العراقية وتتعامل معها بحيادية، بعد أن قدم جميع العراقيين تضحيات جسمية لبناء دولتهم.
وقال “على الرغم من تداعيات الاحتلال الخطيرة على البنى الأساسية في المجتمع العراقي، يحاول العراقيون النهوض من جديد لبناء دولتهم الديمقراطية المعاصرة، لذا يحاول الاحتلال بالمقابل أن يجند كل إمكاناته المادية والسياسية لخلق أجواء التوتر والصراع بين مكونات الشعب العراقي، تحت شعارات الديمقراطية والتعددية والتوافقية، ولكي تستنزف طاقات هذا الشعب ويصبح نهوضه مستحيلا”.
جاءت الدراسة التحليلية في الفصل الثالث من الكتاب لتبين موقف الصحافة العراقية من مسألة الديمقراطية في العراق ودورها في كشف الإشكالات والملابسات التي أفرزتها هذه المسألة بوجود الاحتلال الأميركي. وطرح الباحث التساؤل الرئيسي في الدراسة كالتالي “هل تحققت الديمقراطية في العراق بعد احتلاله عام 2003؟ وما هو موقف الصحافة العراقية من مسألة الديمقراطية في ظل الاحتلال؟”.
وتوصلت الدراسة في شقيها التحليلي والميداني إلى نتائج مهمة من خلال الإجابة على التساؤلات واختبار الفروض التي وردت فيها، لوحظ من النتائج وجود تباين واضح في اهتمام الصحف العراقية بمسألة الديمقراطية في العراق، فضلا عن ضعف هذا الخطاب وضعف تأثيره في توجهات الجمهور العراقي نحو الديمقراطية في ظل الاحتلال.
وتفاوت عدد المقالات التي تتناول موضوع الديمقراطية بين صحيفة وأخرى بشكل ملحوظ، إذ تضمن الخطاب الصحافي للصحف المستقلة أعلى نسبة من المقالات المنشورة عن الديمقراطية، وما يرتبط بها من مفاهيم، حيث بلغت هذه النسبة 28 بالمئة في الصحف المستقلة من إجمالي المقالات المنشورة، بينما كان اهتمام الصحف القومية الكردية والصحف المرتبطة بالأحزاب ذات التوجه الديني المشاركة في الحكم بدرجة أقل.
وكان اهتمام الصحف التي تمثل رأي الحكومة بموضوع الديمقراطية متدنيا بدرجة ملحوظة، ومرد ذلك أن هذه الصحف تمثل تيارات وأحزابا تشارك في الحكم، والمعروف عن الديمقراطية في الدول حديثة العهد بها، أنها تحظى باهتمام المعارضة أكثر من الأحزاب التي تحكم، وغالبا ما تتبنى الأحزاب العلمانية شعارات الديمقراطية، قبل الأحزاب القومية والدينية.
تفرز هذه النتيجة الإجابة على بعض تساؤلات الدراسة، إذ تؤكد أن معظم الصحف في العراق غير معنية بنشر الثقافة الديمقراطية بقدر اهتمامها بأهداف الجهات التي ترعاها وتمولها .
0 التعليقات: