ليس كلكم بل أزيد من نصفكم
علي السوداني
سأتحدث الليلة مع جلِّ أصدقائي الأدباء والفنانين، والمشتغلين بباب الفنون الجميلة كلها. أنتم تعرفون أن بلدنا العراق المريض، هو الدولة الأكثر فساداً على وجه الأرض، إن لم يكن أفسدها جميعاً، لكنكم تغضّون العين واللسان والقلم عن هذه الفضيحة الصائحة .
بعضكم صامت كأن على رأسه خفاش، وآخرون اكتفوا بالعناوين الفضفاضة التي تسمح بها دكك وموائد المزاد، وصنف ذهب مذهب التعمية والتدليس والتضبيب وخلط ورق الحرام .
أراكم من بعيد وأنتم تتطوطسون على الشاشات الكثيرة والسفرات الرخيصة والمهرجانات المتخلفة، وقد انتفخت كروشكم وتورمت خدودكم وتهدّلت أثداؤكم، واستسلمتم تماماً أمام سلطة الطعام الكثير والشراب الوفير، واللباس الحرير ولهاث السرير . أشفق عليكم وانا انصت لأكاذيبكم وتزويراتكم وبطولاتكم التي لم تحدث أبداً، لا من بعد ولا من قبل، حيث كنتم من الردّاحين الطبالين الرقاصين المنافقين، وفي كلا الزمنين، كانت سلطة المال هي التي تصنع حروفكم المخادعة الرخيصة القاتلة. في زمان صدام حسين، كان قبر عليّ بموضعه في خاصرة النجف، وقبر الحسين تحت القباب اللامعات بكربلاء الطف، لكنكم لم تيمموا وجوهكم صوب المدفنين المباركين، ولم تتشكل حروفكم على العتبات، كي تنسج حولهما كسوة الوجع والبهجة، أمّا اليوم فأراكم هناك، ليس حباً بالثائرين المقتولين بأيديكم مرتين، عليّ والحسين وصحبهم وعطرهم، بل عشقاً بما ستجود به عليكم أيادي صاحب المال، بصرر الذهب ولفّات الدينار وتأجيل الضمير .
بعثيون كان بعضكم، لكنهم أخفوا الأمر الآن. كنتم تؤدون رقصة البيع والشراء بباب السلطان، ومن لم يسعفه الحظ للمشاركة في مساء الردح، كان يصوّب عين الحسد ليقتل بها ليلة صاحبه الذي تدجّج بقوة الدينار . الشعراء والمغنّون والرسامون والنحاتون والملحنون والطبالون والروائيون والقصاصون والنقدة والهرائيون من نوع نصف ردن، قد لملموا بضاعتهم العتيقة، وذهبوا بنصفها إلى محرقة الورق، والنصف الثاني إلى الرأس من أجل تدويره واعادة انتاجه، مصبوغاً بماكياج عهد الدسم العظيم .
إنّ اتحاد الحرامية والخائنين القائم في المحمية الخضراء، الذي ملأ افواهكم وبطونكم بكميات هائلة من الطعام اللذيذ فأخرسكم عن الحقّ، هذه المنغلة الحاكمة ما زالت تقف فوق أرض رخوة، ولم تسيطر تماماً على البلد، لذلك تتعامل معكم ببراغماتية وتقية ونفاق يشبه نفاق أهل العمائم الشياطين الذين يقودون الحكم من المقعد الخلفي الخفي، وما أن يحكموا السيطرة كاملة أو شبه تامة، حتى يقولون لكم يا ادباء ويا فنانين ويا كتبة، لقد انتهى دوركم الآن .
خذوا أغنياتكم ورقصاتكم وتمثيلياتكم وموسيقاكم وملحوناتكم ورواياتكم وحداثتكم ومنحوتاتكم ومسرحياتكم ولوحاتكم وسوريالياتكم وصعلكاتكم واذهبوا الى الجحيم، لأننا سائرون بعون الدجال الأكبر، صوب ولاية الفقيه القندهاري الرجيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق