أخر الأخبار

.

اخطاء البعث وخطايا الإنسان



اخطاء البعث وخطايا الإنسان 



عراق العروبة
صلاح المختار




هناك من ينظر للحياة بعين واحدة رغم وجود عين ثانية لديه ولو استخدمها لرأى الصورة كاملة او اكثر وضوحا لكنه يتعمد ، واحيانا رغما عنه ، النظر بعين واحدة ، وهذا خلل انساني قديم ويتحكم باكثر الناس ولهذا نجد البشرية تواجه الكوارث تلو الكوارث بسبب انتقائية الوعي كثمرة لتحيز العين الواحدة لما تريده وتجاهلها لما لا تريده والاهمال شبه المتعمد للاستفادة من تجارب السابقين لتجنب تكرارها من قبل من جاء بعدهم . تلقيت رسائل عديدة من شخاص لا اعرفهم شخصيا يستفسرون عن اخطاء البعث والشهيد القائد صدام حسين ويتساءلون : هل حقا ان انهما ارتكبا اخطاء كما يروج الاعلام ؟ ويقولون انهم يسألون لان ما عرفوه عن البعث وصدام حسين كثير وغالبه ايجابي فكيف يمكن تفسير وجود اخطاء لدى من قام بتحقيق اعمال عظيمة مثل صدام والبعث ؟

هذه الرسائل تكشف ومع احترامي لمرسليها نقصا متوراثا في التفكير السليم لكنه يبدو كأنه طبيعي رغم انه ليس كذلك وهو التأثر الواعي او اللاواعي بنظرية العصمة ! مشهد اغتيال الشهيد صدام حسين جسد امام العالم كله صورة مناقضة كليا للصورة النمطية التي روجها الاعلام الغربي والصهيوني عنه وهي شيطنته بتشويه صورته عبر مسلسل اكاذيب او انتقاءات مدروسة تفضي الى تكوين صورة سلبية عنه ، لكن تجربة مقابلة الموت تكشف الطبع والغرائز وتحكمهما بمن يموت لهذا لا يمكن للحظة الموت الا ان تعبر عن صدق واصالة الطبيعة التكوينية فيسقط كل تظاهر او تمثيل ، وما انطبع بوضوح شديد في وعي وذاكرة العالم لحظة اغتيال صدام هو النقاء والصدق والبطولة الاستثنائية والتي لا يمكن امتلاكها الا من قبل قادة وثوار يدافعون عن قضية عادلة وشريفة ، فضربت لحظة الاغتيال اسس الشيطنة وشققتها .

الملاحظة الاهم هنا اضافة لما تقدم هي ان من يعتقد بان القائد الشهيد صدام والبعث لم يخطئا ينظر بعين واحدة ويرى جزء من الصورة ، فصدام والبعث كائنان بشريان مثل كل بشر مهما وجدت اختلافات في تكوين الشخصية وكل انسان خطاء ولا يوجد انسان معصوم ، والحياة الانسانية كلها تجارب والتجربة بحد ذاتها ومن تسميتها عمل يحتمل الخطأ كما يحتمل الصواب لهذا سميت تجربة ولم تسمى حقيقة . من هنا يجب علينا ان نستبعد بصورة حازمة اي ادعاء بان صدام والبعث لم يخطئا ، فلقد اخطأنا مرارا وفشلنا مرارا لسبب بسيط هو اننا بشر مثل غيرنا ولسنا مخلوقات معصومة على الاطلاق ويصبح الخطأ ممكنا عندما تختلط المؤثرات وتزداد الضغوط متجاوزة حد التحمل الطبيعي ، وهذه الحقيقة يجب ان لا تغيب عن بال كل بعثي قبل غير البعثي كي لايصبح ضحية التحزب وهو مرض مضر جدا يجعل الانسان ينكر نواقصه وفشله ويتذكر فقط نجاحاته مقابل ذلك يرى نواقص غيره ويهمل ايجابياته .

ولكي تكون الحقيقة السابقة كاملة وغير مشكك بها من الضروري تذكر توأمها وهي حقيقة ثانية فلكي نحكم على طرف ما او انسان ما علينا اولا وقبل كل شيء ان نستخدم ميزانا دقيقا وليس عواطف فائرة مجردة من الضوابط فعندما نشتري حاجة لايقدمها لنا بائعها بلا حساب بل لديه ميزان يعرف بواسطته تكلفة الحاجة كي يحدد سعرها وكذلك الحياة فلكي نعرف الايجابي ونميزه عن السلبي علينا ان نمتلك ميزانا اولا وقبل كل شيء فنضع في احدى كفتيه الحسنات وفي الكفة الثانية السلبيات او الاخفاقات وعندما ترجح كفة الايجابيات نصدر حكمنا بالقول ان الشخص او الفئة ايجابية حتى لو وجدت نواقص واخطاء لديها ، والعكس صحيح فعندما ترجح كفة السلبيات نقول انها تجربة سلبية حتى لو كانت فيها ايجابيات ، ففي الحالة الاولى طغت الايجابيات فحكمنا بانها تجرية ايجابية وفي الحالة الثانية طغت السلبيات فحكمنا بانها سلبية .

وثمة توأم ثالث وهو حقيقة ان من يحكم على غيره يجب قبل هذا ان يتذكر نفسه فهو ايضا بشر ولديه اخطاء مثلما لديه ايجابيات وعندما يحكم على غيره مطلوب منه اولا ان يتذكر اخطاءه خصوصا الاخطاء التي ساهمت في ارتكاب الاخر لاخطاءه فليس منطقيا ولا من العدل والانصاف ان يقتصر نقدنا على اخطاء الاخر ونتجاهل اخطاءنا ! وربما يكون هذا السلوك مصدر اغلب خلافات وصراعات الافراد والامم والاحزاب عبر التاريخ فعندما اجد غريمي يتهمني بسلبيات متجاهلا حسناتي ويظهر حسناته منكرا اخطاءه خصوصا ضدي ازداد تمسكا بموقفي بل اتجاهل اخطائي واصر على رفض الاعتراف بها ! وهنا نرى الشيطان يطل علينا بكل اسلحته بما في ذلك المدمرة التي تستحوذ على الانسان وتحوله الى الة تدمير وانتقام واحقاد متطرفة تدفع العقل والضمير الى الخلف . انظروا فقط لما يجري الان في الوطن العربي وسترون ان النظر بعين واحدة للاخر واغماض العين عن انفسنا يشكل احد اهم مصادر تعقد و تواصل المأسي والكوارث وتكرارها .

لذلك فان الحقيقة الاكثر اهمية في هذا الصدد هي ان من ينتقد الاخر عليه ان لا ينسى نفسه فبما اننا كلنا بشر وغير معصومين فان لنا اخطاءنا مثلما لغيرنا اخطاءه والاعتراف بذلك هو المقدمة الطبيعية لتجريد المشاكل من اغلب عقدها المستعصية على الحل ويمهد لتوافقات شخصية وعامة اما الانكار والاصرار على نقد الاخر دون الاعتراف باخطاءنا فيورث المزيد من الاحقاد ويزرع الثأرات الدموية التي تتجاهل اي قيمة انسانية واخلاقية .

وتأتي الحقيقة البالغة الاهيمة وهي ان الاعتراف بان طرفا ما ايجابي ومقتدر رغم ان لديه اخطاء يجب ان تبعدنا عن الاجتثاث بكافة صوره ، خصوصا عدم السماح له بالعمل السياسي او الشخصي ، هنا يكمن احد اهم مصادر فقر خبراتنا لاننا نمنع تراكمها والاستفادة من ذوي الامكانيات والخبرات ونضطر لوضع اشخاص بلا خبرات في مواقع تتطلب الخبرة فيكون الفشل هو النتيجة الطبيعية ! وهذه الحالة تجسد خير تجسيد ضعف او غياب العقلانية في التفكير وطغيان عواطف الكره والحب الشخصي او السياسي ، وهذا احد اهم اسباب جعل الغرب يتقدم علينا كثيرا حيث انه ينتقي ذوي الخبرة حتى من بين صفوف الاعداء كي يبني ويعمر ويتقدم متجاوزا العواطف ، وخير الامثلة هو مافعلته امريكا والاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية عندما اخذتا علماء المانيا الذين خدموا النازية وكانوا مصدر قوتها وتفوقها وسخروهم في تحقيق تقدم سريع علمي وتكنولوجي في البلدين ، مثلما فعلت امريكا في العراق عندما اختطفت علماء العراق بعد الغزو واغتالت من رفض التعاون معها .

العقلانية وليس العواطف الساخنة هي مصدر التقدم والتطور ولهذا فحينما ننظر بعين واحدة ونرى اخطاء غيرنا نقع في فخ مميت وهو فخ حرماننا من الخبرات والامكانيات الضرورية لتحقيق التقدم وحل المشاكل المعقدة في عصرنا . بعد هذه الملاحظات نطرح السؤال التالي والذي وصلنا كثيرا وتكرر وصوله وهو : هل البعث بعد ما ارتكب من اخطاء قادر على حل مشاكل العراق ؟ الجواب العام هو التالي : تاريخ العالم كله يشهد على انه ليس هناك تجربة بشرية بلا اخطاء لهذا فالمعيار هو ميزان الاخطاء والصواب وليس العثور على بشر لا يخطئون . فالقضية هنا هي اعتماد الميزان الذي يحسم الخلاف حول من هو الافضل وهو موجود حتى في تعاليم الدين الذي كلف الملائكة بتسجيل اخطاء وحسنات الانسان منذ ولادته وحتى مماته .

نعم لقد اخطأنا كما يخطا كل بشري من ادم حتى صدام ولكن هذه ليست كل القصة فهناك الكفة الاخرى في الميزان وهي الحسنات والتي تمثل ما قدمناه للشعب اثناء حكم البعث وهي بالتأكيد هائلة ولم يحقق جزء بسيط منها اي نظام عربي واغلب نظم العالم ومنها فقط محو الامية كليا ، وهو انجاز كبير جدا ، ومحو الفقر كليا ، وهو الاخر انجاز كبير جدا ، ومجانية التعليم بما في ذلك درجة الدكتوراه ، وهو انجاز نادر في عالمنا ، ومجانية الطب بما فيه الطب الوقائي وليس العلاجي فقط ، وهو انجاز نادر ايضا في عالمنا المادي ، واعداد جيش من العلماء والمهندسين ، وهو انجاز ضخم ومن شروط النهوض والتقدم ، وبناء دولة مهابة في العالم ، وهي حالة اعادت رسم صورة العراقي المتميز بين البشر ، وغيرها .

واذا اكتفينا بهذه الانجازات مع ان غيرها كثير نجد انفسنا امام حسنات متعددة لنظام البعث وصدام عندما نقارنها بما قام به غيرنا ، وغيرنا المقصود به الحكومات في الدول الاخرى عربية واجنبية والمتقدمة بشكل خاص التي حققت انجازات تفتخر بها نجد ان عراق البعث كان ظاهرة تقدمية وايجابية تفوقت على اكثر تجارب الدول الاخرى دون ادنى شك مادام المعيار الموضوعي هو الانجازات وليست الادعاءات .
حقيقة ان البعث وحكمه كان تجربة ناجحة وايجابية هي التي يراها ابن العراق الان ويبعد غيرها لانها تفاصيل شيطانية او مشيطنة ولا تخدم هدف انقاذ العراق من كوارثه ، وبقوة تاثيرها نرى الان ملايين العراقيين يتمنون عودة نظام البعث ويترحمون بصدق على روح سيد شهداء العصر صدام وهي مصدر تعاظم شعبية البعث وانتشاره غير المسبوق .

اما عن اخطاء البعث فأن من يشترط نقدها الان وعدم تأخيره يتجاهل حقيقتين اساسيتين : الحقيقة الاولى انه ليس اسهل من تلفيق النقد لاسقاط فرض لكن المطلوب هو نقد حقيقي لاجل تصحيح الاخطاء وعدم تكرارها فتلك مصلحة بعثية قبل ان تكون مصلحة عراقية عامة ، وبناء عليه لابد ان يكون نقد تجربتنا مبنيا على قاعدة الدقة والموضوعية وهي تتطلب توفير دراسات تفصيلية موثقة بأرقام ووقائع لكل حالة يشك بانها كانت خطأ او انها فعلا خطأ ، وهذا مطلب لا يمكن توفيره الان . ولهذا وللاهمية الكبيرة لتقديم رؤية لما جرى فان الحزب قام بأعداد نقد اولي لتجربته في الحكم حدد فيه اخطاءه الاساسية ووضع بديلها لحين توفر الظروف المناسبة لتوسيع نطاق النقد .
اما الحقيقة الثانية فهي ان ظروف البعث لا تسمح باعلان النقد حتى لو انجز كاملا لسبب يتعلق بالشرعية الحزبية فلكي يكون النقد شرعيا يجب ان يقره مؤتمر قطري منتخب وهو اعلى سلطة حزبية وهذا الشرط غير متوفر الان لاسباب امنية صرفة ويكفي هنا ذكر ان الحد الادنى لعدد اعضاء هذا المؤتمر الانتخابي 200 مناضل وهو رقم من المستحيل جمعه في مكان واحد الان وضمان عدم اعتقالهم او قتلهم في ظروف ممارسة الاجتثاث الجسدي للبعثيين ، وعندما يتوقف الاجتثاث خصوصا القتل والابادة الجسدية فان نقدنا لتجربتنا سيكتمل وينشر بعد عقد المؤتمر القطري .

ابناء العراق البسطاء متحررين من امراض بعض المثقفين والساسة ويصلون للحقيقة البسيطة قبل غيرهم وهي ان المطلوب الان وجود من ينقذ العراق اولا ثم من ينجح في اعادة البناء والتعمير ليس للعمران والخدمات فقط بل قبلها تعمير النفوس التي جرحت بعمق . اما الاختلاف حول خطأ وهل هو خطأ ام لا فهو لا يمنع النظرة الايجابية مادام البشر يختلفون بلا توقف وبدون الاختلافات لا توجد حياة حقيقية والتعاون لا يشترط الاتفاق الكامل حول كل شيء .


 ١٤ / كانون الثاني / ٢٠١٧





0 التعليقات: