تعقيب على تعقيبات
تعقيب على تعقيبات
عراق العروبة
د. نزار السامرائي
وردتني على الخاص رسائل كثيرة تخبرني بأن الولي الفقيه الحالي في إيران السيد المزعوم "علي خامنئي" ليس فارسيا بل آذري الأصل أي من أذربيجان الإيرانية أي بعبارة أخرى هو تركي اللغة والعرق .
لا أزعم بأنني أكثر واحد يعرف حقائق الديموغرافيا والفسيفساء السكانية في إيران أو توجهات إيران السياسية أو ما فيها من أسرار وخفايا، ولكنني وبتواضع جم أستطيع أن أقول، لقد اهتممت بالشأن الإيراني في وقت مبكر من عمري لأن إيران كانت على الدوام مصدر تهديد كبير للعراق وللأمة العربية، ولم يكن ذلك مرتبطا بحقبة أسري في إيران، بل أستطيع الجزم بأنني ما تطوعت للقتال ضد إيران في ألوية المهمات الخاصة عام 1982 وأنا مدير عام في الدولة العراقية، إلا لأنني أعرف غاطس أحقاد بلاد فارس وكل من حكم فيها، على العرب عموما والعراقيين خصوصا، وكما قال فيهم الشاعر الفارس نصر بن سيار :
ليسوا إلى عرب منا فنعرفهم **** ولا صميم الموالي إن هُمُ نُسبوا
قوم يدينون ديناً ما سمعت به **** عن الرسول ولا جاءت به الكتبُ
مَمَنْ يكن سائلي عن أصل دينهم****فإن دينهم أن تُقتلَ العربُ
وربما ضاعف من اهتمامي في الشأن الإيراني ما عشته من معاناة وعذابات فاقت كل خيال أثناء وجودي في معسكرات الأسر الإيرانية لمدة عشرين سنة .
وإذ أشكر كل من كتب لي، أود أن أوضح بعض النقاط المهمة في قضية الانتماء العرقي بالنسبة لما يمكن أن نطلق عليه وصف "مراجع" الشيعة المعترف بهم كمراجع تقليد :
1 – إن من خصائص المذهب الجعفري السائد حاليا في إيران ومناطق أخرى في المنطقة "وهو قطعا لا صلة له بجعفر بن محمد الصادق" أنه يربط ربطا محكماً بين الانتماء للتشيّع كمذهب والولاء للعرق الفارسي والثقافة الفارسية، والاعتزاز بتاريخ فارس بما في ذلك معارك الدولة الساسانية مع دولة الخلافة الإسلامية في المدينة المنورة على عهد خلافة الصديق والفاروق رضي الله عنهما والتي انتهت بانتصار المسلمين على الفرس في القادسية وتقويض أركان دولة الأكاسرة، وربما وصل هذا الربط إلى درجة القدسية واعتباره أساسيا من أصول التعبد وصدق الانتماء للتشيّع .
2 – من المعروف أن مؤسس الدولة الصفوية الحقيقي وهو أسماعيل الصفوي، لم يكن فارسي الأصل، ولكن ولأن ما يسمى بالحوزات العلمية التي تدرّس الفقه الجعفري سواء في قم أو في النجف أو في أي مكان آخر، تقاد من قبل رجال دين فرس في معظمهم ليسوا على استعداد للتخلي عن عصبيتهم القومية فيفرضون قيمهم واعتزازهم بأصلهم وثقافتهم على طلاب الحوزة وكأنهم يعتبرون ذلك من مستلزمات الايمان بالمذهب، لهذا انهارت منظومة القيم الآذرية لدى إسماعيل الصفوي لصالح القومية الفارسية لاسيما وأنه كان ينتمي بالأصل إلى طريقة صوفية آذرية ومذهبيا إلى المذهب الشافعي، وكأنه أراد أن يكفّر عن عقيدته السابقة بالتخلي عن قوميته وليس مذهبه فقط وهكذا يفعل المستلبو الإرادة والتابعون لقوة غالبة فيشعرون تجاهها بالدونية .
ما ينطبق على إسماعيل الصفوي ينطبق على أتباع التشيّع من مختلف القوميات الأخرى، وربما لنا في ما كان قد أعلنه أكثر من مرة وبصراحة ووضوح حسن نصر الله قائد مليشيا حزب الله اللبناني وقادة المليشيات التي يحمل أفرادها الجنسية العراقية، من أنهم جنود أوفياء للولي الفقيه علي خامنئي لا يحيدون عن أوامره ونواهيه، وزاد بعض قادة المليشيات العاملة في العراق من أنهم سينحازون إلى جانب إيران ضد العراق في أي حرب قد تقع بين العراق وإيران .
ومما عزز هذا التوجه الطاغي في حسم قضية الولاء لإيران على حساب أية رابطة أخرى ما ورد في المادة 11 من الدستور الإيراني عن قيادة إيران للكفاح من أجل تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية في العالم الإسلامي تحت زعامة الولي الفقيه وحصرها بالولاء لصاحب الولاية المطلقة وهو إيراني الجنسية حصرا فارسي الولاء حتى إن كان من أية قومية أخرى .
إن الولاء للمذهب يتقدم على أي ولاء آخر، وإلا هل هناك شك في أن زعماء الشيعة الدينيين والسياسيين في العراق ولبنان وسوريا والبحرين والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، وكذلك المتحولين إلى المذهب الجعفري الاثني عشري في اليمن من أتباع الحوثي، نزعوا عن أنفسهم كل عناصر الاعتزاز بالأصل العربي الذي ينتمون إليه، بل ذهب كثير منهم إلى الغلو في تفسير الآية الكريمة "إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِل قَوْمًا غَيْركُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير" بأن المقصود بها استبدال العرب بالفرس، ويعززون ذلك بحديث ينسبوه للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم " لو كان الايمان معلقاً بالثريا لناله رجالٌ من ابناء فارس".
حاول رجال الدين في إيران كانوا النيل من العرب في خطب الجمعة بعد وصول الخميني إلى السلطة في تفسير الآية الكريمة "الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"، ويتهمونهم بالكفر والنفاق وذهبوا في تفسير قوله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" إلى أن المقصود بالقبائل هم العرب وأن المقصود بالشعوب هم الفرس .
3 – هل هناك رجل دين ينتهي في نسبه إلى الدوحة النبوية القريشية العربية الشريفة ويشعر بالاشمئزاز منها، ثم يعتز بقوميته الفارسية أو الآذرية ويتعامل بازدراء مع العرب ويسخر من تاريخهم ويكفّر رموزهم التاريخية التي أقام الإسلام ركائزه عليها؟ فهل هناك سيد من أحفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتمي إلى غير الأرومة العربية؟ إلا إذا كان دعيّا كاذبا، ومن يكذب في أصله لا يمكن أن يصدّق في أي ادعّاء آخر .
0 التعليقات: