بيان صادر عن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
بيان صادر عن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
في الذكرى السادسة والخمسين لانفصال أول وحدة عربية
وحول الأوضاع العربية الراهنة
عراق العروبة
أصدرت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي البيان التالي :
تحل الذكرى السادسة والخمسون لانفصال أول وحدة في التاريخ العربي المعاصر عام 1961 ، وأمتنا العربية تعيش ظروفا أشد وطأة على واقعها القومي من تلك التي كانت سائدة لعقود خلت .
هذه الظروف الشديدة الوطأة على الأمن القومي العربي، لم تعد أسبابها نابعة عن استمرار الاحتلال الصهيوني لفلسطين وتتالي العداونية الصهيونية على الأمة، ولا فقط من اندفاع المواقع المقررة في النظام الاستعماري الجديد الذي ينعقد لواءه للقطبية الأميركية والذي بلغت ذروة اندفاعه في غزو العراق واحتلاله بعد حصار ظالم فرض بعد العدوان الثلاثيني، بل هذه الظروف اشتدت وطأتها من خلال اندفاعة النظام الإيراني إلى العمق القومي من بوابة العراق، وبات يشكَل تهديدا فعليا ليس للعراق وحسب، بل للأمة العربية سواء عبر الاحتلال المباشر أو عبر الأذرع الأمنية والميليشاوية التي ترتبط بمركز التوجيه والتحكم في مؤسسة "الحرس الثوري" الارهابية .
هذا التهديد للأمن القومي العربي، تلاقت نتائجه من خلال تلاقي للمشاريع المهددة للأمة بوحدتها وهويتها وتقدمها وأخطر ما في ذلك التمادي في تخريب البنى المجتمعية العربية عبر إثارة صراع مذهبي وطائفي وإثني، وابراز أدوار قوى طائفية ومذهبية تمارس الترهيب السياسي والتكفير الديني ويتم الاستثمار بها خدمة لأجندات وأهداف قوى الاحتلال، صهيونية كانت أو أميركية أو إيرانية. وكل ذلك بهدف خلق واقع تقسيمي وتفتيتي في بنيان الدولة الوطنية والبنيان القومي العربي برمته .
وعلى هذا الأساس، فإن القيادة القومية إذ ترى بأن انفصال وحدة مصر وسوريا عام 1961 ، شكّل نكسة للنضال العربي الوحدوي، فإن ما تتعرض له الأمة اليوم، هو أخطر بكثير لأنه يتجاوز الانفصال بين قطرين، إلى التقسيم لهذه المكونات القطرية وبالتالي جعل الوحدة أبعد منالا وأصعب تحقيقا .من هنا، فإن القيادة القومية، وفي ضوء تقديرها لمعطى الواقع القومي الذي تمر به الأمة، ومع وضوح أدوار القوى الاستعمارية والصهيونية والشعوبية الجديدة ترى أن الرد على هذه القوى يكون بتحديد مصادر الخطر على الأمن القومي وتسمية قواه وتحديد منطلقات وصيغ أساليب مواجهتها .
إن القيادة القومية وهي تؤكد على إعادة الاعتبار للنضال الوحدوي خطابا وسلوكا ، فإنها تدرك بأن الأمن القومي العربي هو وحدة عضوية، وأن كلَّ تهديدٍ لأي من مكوناته الوطنية إنما هو تهديد للأمن القومي برمته، سوا ء تجسَّد هذا الخطر بما هدد ويهدد فلسطين والعراق والأحواز المحتلة، وكل أرض عربية محتلة، أو ما يقع تحت هيمنة المشاريع الدولية أو الإقليمية بسبب الانكشاف الوطني كما يجري في سوريا واليمن وليبيا .
وعلى هذا الأساس فإن الانتصار لقضايا الأمة في فلسطين والعراق والأحواز وغيرها يوجب على قواها الحية أن تخرج من دوامة انقسامها السياسي على المستويين الرسمي والشعبي، لأن هذا الانقسام بقدر ما يوفّر بيئة لتنامي أدوار قوى التحالف الصهيو-استعماري المفتوح على علاقات عميقة مع المشروع الفارسي العنصري الطائفي، فإنه يُخرج مبادرات الحلول السياسية للكوارث والأزمات، التي تعصف بالعديد من الساحات، من الفضاء العربي إلى الفضاءين الإقليمي والدولي اللذين لم يقدما لأمتنا إلا التخريب والتدمير، وما مجريات الاحداث في سوريا واليمن وليبيا، فضلا عن تغييب المشروع الوطني لانقاذ العراق ومخاطر الانقسام السياسي على حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية، إلا أمثلة على ذلك .
إن تعريب الحلول السياسية لما تواجهه الأمة من كوارث ، وبما يستلزمه من بروز مرجعية عربية للحلول، يتطلب توفير الأرضية الداخلية الوطنية المناسبة، التي تتشكل من الطيف السياسي القادر على إطلاق مبادرات ومشاريع وطنية لمعالجة هذه الازمات الطاحنة. وان المدخل لذلك هو توفير قاعدة سياسية عريضة نصابها القوى والأحزاب، الصادقة في ولائها وممارساتها الوطنية وحفاظها على الهوية القومية، ويفتح المجال أمام عملية سياسية تعيد هيكلة الحياة السياسية على قواعد الديموقراطية والتعددية وتداول السلطة، لحماية المقومات الأساسية للدول المتمثلة في وحدة الأرض والشعب والمؤسسات. وإذا كانت المصالحات السياسية تشكل مدخلا لبلورة مشروع وطني للحل والإنقاذ، فإن هذا المشروع لا تحمله قوى طائفية ومذهبية تمارس الترهيب السياسي والتكفير الديني وترتبط بمراكز إدارة وتحكم خارجيين. بل تحمله القوى التي قاومت الاحتلال والمشاريع الطائفية، التي تشكل خطرا مضافا على الأمن القومي برمّته كما على الأمن المجتمعي، وهو خطر بات واضحا جدا بعدما ثبت، أن القوى الدولية والإقليمية تستثمر في دعمها لهذه القوى الطائفية خدمة لأجنداتها الخاصة، وكل ذلك على حساب الأمة وأمنها القومي والمجتمعي. لذا فإن إسقاط كل عوامل وتأثيرات الاحتلال والتدخل الخارجي، لا يستقيم إلا إذا أسقطت هذه الأدوات الطائفية التي عبثت بالأمن العربي، وهو ما يستلزم تفعيل المشروع القومي الشامل، الذي يشكل حزب البعث العربي الاشتراكي ركيزة أساسية من ركائزه، باعتباره كان وسيبقى في المواقع الأمامية للدفاع عن الأمة وأمنها، وليس إطلاق مشاريع اثنية اوطائفية تفتيتية مضادة .
ولقد اشتد التآمر الصهيوني والاستعماري على العراق بعد ثورة السابع عشر من تموز نظرا لما حققته من انجازات عظيمة على صعيد التحولات الداخلية والبناء الوطني وعلى صعيد الدور الذي اضطلعت به الثورة في دعم قضايا النضال العربي وخاصة قضية فلسطين وهذا كان سببا أساسيا في استهدافه المباشر من التحالف المذكور والنظام الايراني في ظل حكم الملالي .
وقد بدا واضحا أن مؤشرات الانهيار في البنيان القومي حصل بعد احتلال العراق. وعليه فإن هزم المشروع المعادي يبدأ من العراق.وهذا ما يفرض على كافة القوى الحريصة على وحدة العرب وهويتهم أن ينتصروا لقضية العراق بما هي قضية تحرير للأرض وتوحيد للشعب على أسس المواطنة . وأن المشروع السياسي الانقاذي الذي طرحه الحزب في اذار / مارس 2017 يشكل أساسا لانتاج عملية سياسية جديدة تضع حدا للاحتلال بوجهيه الأميركي والايراني وما أفرزه من نتائج مدمرة،وتعيد بناء العراق على أسس وطنية يتظلل جميع أبنائه من عرب وكرد وأقليات أخرى تحت مظلة الخيمة الوطنية وفي دولة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات .
إن القيادة القومية وفي سياق تأكيدها على اعتبار أن المشروع الوطني الذي طرحه الحزب يشكل الحل الوطني المطلوب، تؤكد بأن ما جرى في العراق إنما كان بسبب الاحتلالين الأميركي والإيراني، وأن الظلم السياسي والاجتماعي الذي تعرض له شعب العراق لا يقتصر على مكون ضد آخر، وأن الحل هو بإنضمام الجميع إلى المشروع الوطني للانقاذ وتوفير الأرضية الداخلية له، كما الرافعة العربية. وفي غمرة التطورات السياسية الخطيرة في شمال العراق وما تلا الاستفتاء ، فإن القيادة القومية للحزب تضع ثقتها في جماهير شعبنا الكردي في الشمال، داعية اياها إلى نبذ الانفصال والعمل على تعزيز وحدة العراق الوطنية ، وإنشاء دولة المواطنة والحكم الرشيد فيه ، لا دولة الطوائف والأعراق المتحاصصة المتناحرة، التي هي نتاج الاحتلال ودستوره البغيض. وهو ما كان قد أكد عليه حزب البعث في مؤتمراته وخاصة المؤتمر القطري السابع عام 1967 ،والذي بالاستناد إليه صدر بيان 11 آذار للحكم الذاتي عام 1970 ، الذي منح حقوقا ثقافية وسياسية واجتماعية واسعة للمواطنين الأكراد في العراق، لم يكن أقرانهم في الدول الأخرى يتمتعون بها، وهي تأمل في أن يبادر الساسة الأكراد لاتخاذ خطوات حكيمة وشجاعة تجنّب العراق والمنطقة مزيدا من المآسي والمصائب .
إن الحفاظ على وحدة العراق وسيادته وأمنه مهمة أساسية يجب ان تضطلع بها كل القوى والشخصيات، وأن يدافع عنها كل أبناء العراق من شماله إلى جنوبه، وهي غير خاضعة للمساومات والمناورات السياسية الرخيصة التي تتخذها سلطة المنطقة الخضراء العميلة، والخاضعة، كليا ، لأوامر نظام الولي الفقيه .
وترى القيادة القومية إن هذه السلطة التي رهنت إرادة العراق للقوى المحتلة وسرقت مقدرات شعبه مسؤولة بشكل كامل عن كل تفريط بوحدة العراق الوطنية وسيادته، وهي مسؤولة عن كل قطرة دم عراقية تسيل في شمال الوطن ووسطه وجنوبه، كما انها مسؤولة عن أي أذى يلحق بمواطنٍ عراقي في كل مكان .
من هنا فإن الحزب يدعو القيادات الكردية الحريصة على مصالح الشعب إلى التعاون مع قواه الوطنية لإسقاط هذه السلطة التي أجرمت بحق شعبنا بعربه وأكراده وكل أقلياته ، إلى تغيير العملية السياسية الفاشلة والقضاء على الفساد الذي يعصف بالبلاد وتحرير العراق من الهيمنة الايرانية، حيث يدرك الجميع الآن إن أي تجاوز لدور القوى الوطنية الأصيلة والمتجذرة في المجتمع العراقي، وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي، والحيلولة دون ممارستها لدورها الأساسي في بلورة الحلول السياسية الوطنية للأزمات ، سوف لن يفضي إلى نتائج إيجابية ولن يحقق لشعبنا، بكل أطيافه، ما يصبو إليه المخلصون من أمن واستقرار وسلام ورفاهية .
إن القيادة القومية للحزب وهي تؤكد على أن الحل الوطني بعناوينه الرئيسية الذي طرحه الحزب كسبيل لخلاص العراق من محنته، تؤكد أيضا على أن الحلول السياسية للازمات البنيوية في سوريا واليمن وليبيا،التي تحفظ وحدة الدولة والأرض والشعب والمؤسسات، وتفتح المجال أمام إعادة هيكلة الحياة السياسية على قواعد التعددية والديمقراطية وتداول السلطة وتخرج كافة القوى الأجنبية دولية أو إقليمية إو أذرع ميليشاوية من هذه الأقطار هي السبيل الوحيد الذي يضع حدا لهذا الصراع الدامي الذي اقتلع البشر ودمّر الحجر وأحرق الشجر .
إن القيادة القومية التي سبق ونوّهت بموقف حماس إعادة تموضعها في إطار مؤسسة منظمة التحرير الفلسطينية تنوه بالقرار الأخير الذي أعاد الاعتبار لمرجعية السلطة الوطنية، وترى بأن هذا الموقف يشكّل خطوة متقدمة طريق إنهاء الانقسام السياسي وتوحيد الموقف الفلسطيني على قاعدة البرنامج الوطني الذي يحمي الحقوق الوطنية من مخاطر التفريط بها ختاما إن القيادة القومية وهي ترى الانهيارات الخطيرة التي تتعرض لها الأمة، وهي تستفحل يوما بعد آخر، جراء استمرار الاحتلال الصهيوني لفلسطين وما ترتب على الاحتلال الأميركي الايراني المشترك للعراق من نتائج، وتغول مشروع ولاية الفقيه الارهابي الطائفي التوسعي الذي يستهدف الأمة كلها، تتوجه بندائها الصادق إلى كل القوى العربية المناضلة والحريصة على وحدة الأمة وحماية هويتها ومستقبـل
أجيالها لمغادرة تموضعها السياسي الفئوي والقطري، إلى رحاب العمل العربي المشترك الواسع، مؤكدة أن يد الحزب ستبقى ممدودة لكل القوى التي تلتقي معها على قاعدة تحديد مصادر الخطر الموجه للأمن القومي العربي، وحماية هوية الأمة حاضرا ومستقبلا .
وتدعو القيادة القومية كل القوى الشعبية والرسمية والشخصيات الحريصة على حاضر ومستقبل الأمة العربية على امتداد خارطة الوطن العربي الكبير إلى إطلاق مبادرة للتدخل دفاعا عن وحدة العراق والسعي لانقاذه من خطر التشظي، وذلك انقاذ ا للأمن القومي العربي من المخاطر الجسيمة التي سوف تترتب على ذلك .
وإن منظمات الحزب ومؤسساته الجماهيرية التي تشترك في العمل النضالي في كل الساحات العربية، سوا ء تحت عناوين مقاومة الاحتلال والاستلاب، أو تحت عناوين التغيير الوطني الديموقراطي، قد أثبتت وجودها وفعاليتها حيثما توفرت الظروف الممكنة. وتعربالقيادة القومية عن تقديرها العالي واعتزازها العميق بهذه المنظمات وتحيي مناضليها داخل اقطار الوطن العربي وخارجه ، وتدعوهم إلى تصعيد تلك الروح النضالية التي حمل الحزب لواءها وما يزال وسيبقى إلى أن تتحقق أهداف الأمة في الوحدة والحرية والاشتراكية .
تحية لكل الرفاق الذين ساهموا في انبثاق أول وحدة في التاريخ العربي المعاصر، وفي مقدمتهم القائد المؤسس المرحوم أحمد ميشيل عفلق .
تحية لشهداء الحزب والأمة العربية وفي طليعتهم القائد الشهيد صدام حسين .
تحية لروح فقيدنا الكبير نائب الأمين العام للحزب الدكتور عبدالمجيد الرافعي .
تحية للأمين العام للحزب القائد الأعلى لجبهة الجهاد والتحرير الرفيق عزة إبراهيم .
عاشت الأمة العربية ، وعاش نضالها الوحدوي التحرري .
القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
أوائل تشرين الأول 2017
0 التعليقات: