أزمة الاستفتاء : النص الدستوري وعلاقات القوة
أزمة الاستفتاء : النص الدستوري وعلاقات القوة
عراق العروبة
يحيى الكبيسي
تعرف الأزمة بأنها لحظة تحول جذرية في مسار حدث ما، تنتج بالضرورة، تغيرا نوعيا وكميا في طبيعة الحدث نفسه، وعلاقاته. أما إدارة الأزمة، وهو أسلوب جديد في إدارة العلاقات والنزاعات الدولية ظهر بعد الأزمة الكوبية في ستينيات القرن الماضي، فيعني الطريقة التي تدار بها الأزمة، تصعيدا أو مساومة، للحصول على أفضل النتائج الممكنة، وبما يحقق أهداف الدولة ومصالحها الوطنية العليا. مع الحرص على ألا يصل الأمر إلى الصراع، أو القطيعة، أو التضحية بقيم أو مصالح جوهرية .
ليس ثمة خلاف أن العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان قد وصلت إلى لحظة أزمة حقيقية، وان ثمة إرادة لدى بغداد لتصعيد هذه الأزمة وذلك من خلال تأكيدها على حل يرتكز على مفاوضات سقفها الدستور واعطاء المحكمة الاتحادية سلطة الحسم في هذه الازمة. فهل يقدم هذا الطرح حلولا حقيقية ام ان الامر لا يعدو كونه ادعاءات سياسية تسوق من أجل فرض إرادة الطرف الأقوى ؟
الحقيقة المؤلمة هنا ان الدستور العراقي لا يصلح مرجعية لأي حل، بسبب صياغته الملتبسة، والثغرات الجوهرية، كونه نتاجا لصفقة انتهازية بين الفاعل السياسي الشيعي والفاعل السياسي الكردي، لذلك نجد كل طرف من اطراف الازمة يتعكز على نصوص من هنا وهناك لتسويغ دعواه! مع عدم وجود جهة حكم متفق عليها، ومعترف بحياديتها، بعد ان تحولت المحكمة الاتحادية إلى أداة سياسية بيد الفاعل السياسي الأقوى في معادلة الحكم في العراق !
وإذا أخذنا الموضوعات الثلاثة المختلف عليها بشكل أساسي، والتي ترددت كثيرا في الأسبوعين الأخيرين على ألسنة المتصارعين؛ وهي المناطق المتنازع عليها، والمنافذ الحدودية، والنفط والغاز، فإننا سنجد استحالة حقيقية في معالجتها وفقا للنصوص الدستورية. وحيث أننا ناقشنا إشكالية المناطق المتنازع عليها في مقالة سابقة، فسنقف اليوم عند الإشكالين الأخريين .
لم يرد في الواقع أية إشارة إلى المنافذ الحدودية، وبضمنها المطارات والموانئ، في الدستور العراقي، لا في الصلاحيات الحصرية ولا في الصلاحيات المشتركة! وبالتالي إذا ما التزمنا بنص المادة 115 من أن كل ما لم يرد في الصلاحيات الحصرية والصلاحيات المشتركة تعد من صلاحية الاقليم أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم فهذا يعني ان المنافذ الحدودية هي من صلاحيات الاقليم، ويبدو ان بغداد كانت قابلة بهذا الوضع طوال السنوات الماضية وان على مضض .
في المقابل تستند الحكومة المركزية إلى ما ورد في المادة 110/ ثالثا التي نصت على ان: «رسم السياسة المالية، والجمركية، واصدار العملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق» تعد ضمن الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية، وتؤول عبارة «رسم السياسات المالية والجمركية وتنظيمها، ورسم السياسة عبر حدود الاقاليم والمحافظات» أنها تتضمن الاشراف على المنافذ الحدودية، وان عبارة رسم السياسات والتنظيم تشمل الإدارة ضمنا . وهي حجة ضعيفة جدا لأن المادة المادة 114/ أولا من الدستور قررت ان إدارة الجمارك هي ضمن الصلاحيات المشتركة! أي أن الاحتجاج بان رسم السياسات والتنظيم تعني الإدارة ضمنا، غير واردة! بالعودة إلى قانون المنافذ الحدودية رقم 30 لسنة 2016، الذي يتحدث عن هيئة تشرف على المنافذ الحدودية يكون مقرها في بغداد «ولها ان تفتح فروعا في الاقليم أو المحافظات غير المنتظمة في اقليم». ومهمة هذه الهيئة هي «السيطرة والاشراف والمراقبة على دوائر الدولة العاملة في المنفذ الحدودي» .
فان قراءة بقية الفقرات تكشف أن القانون يتحدث عن مهام تتم «بالتنسيق مع الجهات الامنية في الاقليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم»، وان إدارة الجمارك «تتم بالتنسيق مع حكومات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم». وهذا يعني من الناحية الدستورية ان القانون يعد المنفذ الحدودي «صلاحية مشتركة» وليست «صلاحية حصرية» بدليل الدور المناط بالاقليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم .
أما فيما يتعلق بالنفط والغاز فيتركز الخلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان على تفسير المواد الدستورية المتعلقة بهما، حيث تبدو المواد المتعلقة بصلاحيات الحكومة الاتحادية الحصرية والصلاحيات المشتركة، والصلاحيات الخاصة بالأقاليم، غير حاسمة بشكل واضح، فيما يتعلق بهذه المسألة؛ لأن الدستور العراقي الحالي لم يشر مطلقا إلى النفط والغاز في الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية الواردة في المادة 110 منه، بل جاءت في المواد 111 و112، أي بعد المادة المتعلقة بالصلاحيات الحصرية وسابقة بالمواد المتعلقة بالسلطات المشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطة الإقليم الواردة في المادة 114! خاصة وأن المادة 115 ثانيا كانت قد منحت قوانين الاقليم العلوية على القانون الاتحاد في غير الصلاحيات الحصرية! كما أن المادة 121/ ثانيا من الدستور منحت «الأقاليم» سلطة تعديل القوانين الاتحادية في غير الصلاحيات الحصرية. والمسألة الأهم في هذا الخلاف تكمن في تأويل المادة التي تنص على أن «النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات»، حيث تؤول الحكومة المركزية النص بأنه يعني أن الملكية هنا ملكية جماعية للشعب العراقي، في حين تؤول حكومة الإقليم النص بأنه يعني أن الملكية هنا ملكية خاصة للشعب العراقي في الأقاليم والمحافظات . والخلاف يكمن أيضا في تأويل عبارة «الحقول الحالية» التي وردت في (المادة 112 / أولا) من الدستور، التي تنص على أن «تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد… وينظم ذلك بقانون».
فمسودة مشروع قانون النفط والغاز التي اقترحتها الحكومة الاتحادية منذ عام 2007، لا تقف مطلقا عند هذا المصطلح، ولكن الجداول الملحقة بالقانون توضح أن الحكومة الاتحادية ضمت تحت عبارة «الحقول الحالية» جميع الحقول (2/ أ) المستكشفة والمعروفة في العراق؛ بل إن القانون يتحدث في المادة 28 عن تطبيق القانون على «العمليات النفطية في جميع مناطق جمهورية العراق الأرض وما تحتها، على اليابسة، وفي المياه الداخلية والمياه الإقليمية .
أما قانون النفط والغاز الذي شرعه برلمان اقليم كردستان رقم 22 لسنة 2007 في المادة رقم 1، فهو يعرف الحقول الحالية بأنها « الحقل النفطي الذي كان له إنتاج تجاري قبل 15/ 8/ 2005 «، وهذا يعني سلطة الإقليم على جميع الحقول التي لم يكن لها إنتاج تجاري قبل هذا التاريخ حتى وإن كانت مستكشفة ومعروفة .
يبدو، مما تقدم، أن الحديث عن الدستور كمرجعية للحل ليس سوى مناورة من جانب بغداد، أو بالأصح الفاعل السياسي الشيعي، لأنه يعلم تماما ان الدستور عاجز تماما عن أيجاد حل يقبل به الجميع. وإن الأخير يعول على علاقات القوة، المختلة لصالحه، لفرض تأويله الخاص على النص الدستوري مهما بدا هذا التأويل مفرطا وبعيدا عن النص !
0 التعليقات: