أخر الأخبار

.

اخلاقونيا


اخلاقونيا 


عراق العروبة
صلاح المختار



الازمة ازمة اخلاق وليست ازمة يمين او يسار 
القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق معلقا على ازمة عام 1963 

في عام 1963 وبعد ان نجح البعث في اسقاط ديكتاتورية قاسم الشعوبية تفجرت ازمة داخل الحزب وادت لانشقاق خطير في صفوفه وفتحت ثغرة كبيرة نفذ منها خصوم البعث لاسقاط نظامه اعتمادا على قوة الحزب العسكرية ! وبما ان احد التفسيرات لتلك الازمة كان يقول انها (صراع بين يمين ويسار) داخل الحزب فقد كان القائد المؤسس عفلق رحمه الله حزينا لتعرضه الى الاساءات فاكتفى بعبارة بالغة الحكمة وهي (ان الازمة ازمة اخلاق وليست ازمة يمين ويسار) . وقد اثبتت كل الاحداث اللاحقة صحة تفسير القائد المؤسس لتلك الازمة ، فلولا الانفلات والفردية والدعوة لاسقاط رفاق لما تعرضت اول تجربة للحزب الى الانهيار واعادت الحزب الى مربع النضال السري .

اذكر هذه الحادثة لانني تلقيت رسالة من رفيق عصبي المزاج وحاد الطبع يسألني (لم لا ترد على من يهاجمك تكرارا ومرارا وتلعن والديه وانت الاقدر على مسحه بالارض) ، فقلت له : من يشتمني الان سيندم غدا اذا كان نقيا وغير ملوث الضمير فلم اعقد علاقاتي معه وانا واثق انه سيعتذر بعد ان يهدأ ويرى انه اساء لي بدون مبرر سوى حماقة الانفعال والتسرع ؟ واضفت لرفيقي : وانت كم مرة تجاوزت على غيرك وزعلت عليك وعرفت انني ضد طريقتك القاسية والمنفعلة فتوقفت عن الاتصال بي خشية نقدي لك لكنك بعد فترة تعود وتعتذر مني على خطأك ضد اخرين، فاقول لك انسى الموضوع لان المهم انك ادركت خطأك وهذا هو المهم ، فانا لايمكن ان اقتل الناطور من اجل اخذ العنب ابدا بل يجب ان اكل العنب دون قتل الناطور ، ولو انني تصلبت معك وقتها وطلبت منك الاعتذار ممن تعديت عليهم هل كانت علاقتنا ستستمر ؟ كلا بالطبع لهذا حافظت عليك وحميت نفسي من افة الغضب وتركت الامر لحين صفاء الذهن وهدوء النفس فحلت المشكلة تلقائيا . 

اجابني : صدقت رفيقي وانت الوحيد الذي حافظ على صلتي به لانك واسع الصدر ، فكتبت له ما يلي : لاي انسان حقوق ثابتة لا استطيع انا ولا غيري الغاءها واهمها حق مسامحته على اخطاء يرتكبها ،وبما ان الانسان ،كل انسان وبلا اي استثناء ،خطاء فان التسامح ومنح الفرص لمن يخطأ احدى اهم قواعد الاخلاق والسلامة والانصاف والترابط الاجتماعي ، والا تخيل انني من اول خطأ ارتكبته انت قاطعتك فماذا كان سيحصل؟سنخسر بعضنا ولن تصحح اخطاءك والحكمة كل الحكمة هي القناعة التامة بان الانسان حتى حينما يعتذر عن خطأ فانه سيقع في خطأ اخر غيره وواجبنا ان نتحمله ونسامحه ونناقشه بروح الاخ الكبير والرفيق الحريص على رفيقه وليس الجلاد المقنع الذي ينهي حياتك وانت لاترى وجهه وما نطلبه منه هو ان لايكرر نفس الخطأ السابق ! 

واضفت : يارفيقي تخيل انك حكم عليك بالاعدام اجتماعيا من اول خطأ ومهما كان حجمه فماذا سيحدث ؟ ستعزل وتتحول الى وحش ضار يتركز هدفه حول الانتقام ممن لم يعطه فرصة اخرى ، وفي هذا خسارة لاتعوض ولهذا ففرص التسامح غير محدودة بشرط عدم تكرار نفس الخطأ ، وما لم نفتح ابواب الفرص ولا نقيدها لن نحترم ادميتنا ولا نحقق رضاء الضمير لسبب بسيط هو اننا سنقع في ازدواجية مقيتة حيث اننا نرغب بفتح كل ابواب التسامح لنا عندما نخطأ لكننا نغلقها بوجة الاخر عندما يرتكب خطأ واحدا فقط ! اليس ذلك هو الظلم بعينه ؟ يارفيقي بقدر ما تتسامح وتقلب صفحة الخطأ وتبدأ من جديد مع رفيقك او صديقك تضمن نقاء ضميرك والمحافظة على اخ لك يحميك حتى من نفسك اما اذا صرت منتقما وتحاسب على الصغيرة والكبيرة فلن تجد من يرحمك ولا من ينصفك .

ولان الانسان ينقصه الكمال فانه مشاريع اخطاء ترتكب في كل مرحلة حتى في اقصى حالات النضوج ومن ثم فان بقاء المجتمع متماسكا ومحافظا على صلاته الطيبة رهن بالتسامح والمنع التام لاغلاق باب فرص التسامح . اما اذا اردت يارفيقي ان تقطع رأس كل من تتعارك معه فانك ومهما فعلت خيرا وقدمت خدمات للاخرين وانت من هذا الصنف فانك مثل من يضع كل نقودة في جيب مخروم فتضيع ثروتك وتبقى فقيرا .

اكتب اليوم عن هذه المحاورة بيني وبين رفيق قديم اعرفه صلبا ومخلصا وطيبا ولكنه حاد الطبع وعدوانيا عندما ينفعل ويرد على من اساء اليه، ولكنني كنت اروضه تدريجيا وبرفق وتعاطف ومحبة اخ اكبر منه واكثر خبرة ، ولكن صديقي ورفيقي هذا الذي كنت اعلمه ضبط النفس عزز لدي درسا اخرا مهما جدا وهو ان من يريد حمل رساله انسانية وخالدة عليه اولا وقبل كل شيء لجم نوازعه الانفعالية فهي المصدر الرئيس للاخطاء القاتلة والتي تخلق مشاكل لايريدها احد خصوصا من بدأ بها ، لهذا فان من ينقلب على اخطاء المجتمع عليه اولا وقبل ذلك حتما ان يبدأ بنفسه وتلك هي الانقلابية التي علمنا اياها نبينا العظيم محمد (ص) وسيدنا المسيح عليه السلام والاخير هو القائل (احب لغيرك ماتحب لنفسك) .

فنبينا الكريم كان مثالا لضبط النفس الامارة بالسوء وقدوة يقتدى به وهو القائل عن ابي سفيان بعد دخول الكعبة وانتصار الاسلام ( من دخل دار ابي سفيان فهو امن ) والحكمة هنا ان النبي اراد ان يبعث برسائل متعددة اولها ان ابو سفيان الذي كان معاديا ومعتديا صار ضمانة لامن وامان من يدخل بيته ، وهو اراد قطع دابر استمرار المعارضة المعادية بفتح ابواب التوبة للجميع وبلا اي استثناء ، وهو يتصرف وفقا لحكمة ربانية ثابتة ودائمة : ان الله فتح ابواب التوبة ولايمكن لبشري غلقها . بتلك الاخلاق المتسامية فوق الاحقاد والانتقام والمروضة والكابحة للنفس الامارة بالسوء وهي تحرض على الانتقام انتصر محمد وانتصر المسيح وسينتصر كل حامل رسالة ،وبدونها نخسر انفسنا اولا ثم نخسر امتنا ونفقد رحمة الناس لنا .

الانقلابية تبدا بانفسنا ومن الانانية المطلقة ان نطلبها من الاخرين ونحن ضمائر منتفخة من كثرة الاخطاء وضمير كل منا يعرف اننا اخطأنا كثيرا وربما اكثر ممن نحاسبه ، ولهذا فانني اسامح من يهاجمني وارد عليه بصمتي واتركه لضميره فان كان نقيا وبلا دوافع خارجة عن ارادته فهو سيأتي في يوم ما ليقول انا اسف لقد اخطأت بحقك فارد عليه كما تعودت على الرد على كل من يأتي للاعتذار مني : انتهى كل شيء ولا داعي للاعتذار المهم ان نبدأ من جديد وبلا تكرار نفس الخطأ .

احمد ميشيل عفلق علمني وعلم غيري الصبر والرد بابتسامة تزخر بالالم لكنه الم الحريص على رفيقه الخطاء والسابح في نهر هائج تتقاذفه امواجه العاتية . وكل من اساء لي سابقا والان وكل من سيسيء لي مستقبلا فهو (داخل دار ابي سفيان) مادام التسامح قاعدة الهية لانهاية له مع انسان غير مكتمل التكوين . 
فتحية احترام لكل من استهدفني واساء الى خصوصا من كان يصور نفسه لي صديقا ورفيقا حميما مؤكدا انني سامحته على كل ما قام به تجاهي من عدوانات وسيجدني مبتسما بصدق في وجهه عندما تلتقي الوجوه .

2-1-2019

0 التعليقات: