الخميس، 31 يناير 2019

خطورة أن تكون الفكرة أصيلة !!!


خطورة أن تكون الفكرة أصيلة !!!

عراق العروبة
د . خضير المرشدي



عندما يؤمن الإنسان العربي بأن القومية العربية قد خُلِقَت من جديد في ظل ثورة الاسلام ، وتمت إعادة بنائها على أسس فكرية وثقافية وأخلاقية ومادية ومعنوية ونفسية جديدة لم يألفها العرب من قبل . بعثت فيها الروح بعد أن كانت جامدة متيبّسة ، وترسخ فيها الايمان بعد أن كانت منفصلة عن الاتصال بالسماء على الأقل في جزيرة العرب ، توحّدت نظرتها للخلق والكون والانسان والحياة ، أخذت بفضل الاسلام بعدها الحضاري والانساني وغادرت عصبيتها وإنغلاقها ، تغذّتْ بقيم الحق والعدل والانصاف والمحبة والمودة والتسامح والإحسان ، وتسلّحت بعناصر الثورة والانقلاب المعنوي والروحي على النفس وعلى واقع قبلي متنازع متناحر ومجزّأ . 


عندما يكون العربي بهذا المستوى من الايمان ، مهما كان دينه ومذهبه ، فإنه يجد نفسه أمام مهمة معنوية معقدة تتمثل في مدى قدرته على تجسيد هذه القيم في شخصيته وسلوكه وعلاقته مع الاخرين وأداء مسؤولياته في الحياة من جانب ، ومن جانب آخر يجد نفسه أمام تحدٍ أكبر هو حجم الضريبة التي يتوجب عليه أن يدفعها نتيجة هذا الايمان ، والتضحية التي يتوجب عليه أن يتحملّها نتيجة التمسك بهذه القيم التي تعبر عن هويته وانتمائه وعقيدته ومبادئه واهدافه المتمثلة في ( القومية العربية التحررية الانسانية المؤمنة ) ، التي تحت لوائها توحّد العرب وأمسكوا بمصيرهم وإنتصرت إرادتهم وتحققت رسالتهم عندما أقاموا الدولة وأشادوا الحضارة التي فاضت بخيرها وشعّت بعلومها وأفكارها وكانت مصدر الهام لغيرها من الامم والشعوب .

فعندما يأتي ( البعث ) بعد أكثر من ( ١٤) قرناً ليبني فكره وعقيدته الوطنية والقومية الاشتراكية على وفق هذه القيم الانسانية المستمدة من روح التراث ، والملبية لطموحات العصر ، والمستوعبة لمتطلبات التطور والتقدم الحديث ، ويضع مشروعه لتحقيق أهداف الأمة في الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية والبناء الاشتراكي الهادف لإظهار الطاقات والامكانات الكامنة لدى الشباب على مبدأ الانبعاث لهذا النوع من العروبة ... لابد أن يحرك ذلك القوى المضادة لهذه الفكرة والتي لم تتوان عن أي فعل لإسقاطها وتدمير المشروع مادياً بصيغة الاحتلال ، ومعنوياً بصيغة الاجتثاث والإفقار والإفساد والتجهيل ، تماماً مثلما فعلت القوى المعادية السائدة من قبل وأسقطت الدولة العربية والاسلامية آنذاك ، ناهيك عن العوامل الداخلية التي هيأت البيئة لهذا السقوط عبر كل مرحلة من مراحل الحكم إنتهاءً بسقوط بغداد على أيدي المغول عام ١٢٥٨م ، والتي تمثلت بمثلث ( الظلم والفساد والاستبداد ) .

فمن يراجع تاريخ نشأة البعث والكتابات الأولى لمؤسسه الاستاذ ميشيل عفلق رحمه الله ، يجد هذه الحقيقة بوضوح ، هي إن البعث كفكرة إرتكز على مبدأ إنبعاث هذا النوع من العروبة أو القومية العربية التحررية الانسانية الثائرة ، وبنى عقيدته الوطنية والقومية الاشتراكية ووضع دستوره ونظامه على ماترشّح عنها من قيم . لذا فإن الحزب الذي جاء لبعث هذا الطراز من العروبة ، وآمن بأنها عقيدة وفكر وهوية وإنتماء وحب وقدر ومصير ومشروع للنهضة ومهماز للحضارة ، وإنها مصدر القوة ومبرر الوجود ودافع الإستمرار ، ويناضل لتحقيق رسالتها ، لابد وأن يتعرض لهذا القدر الهائل من العداء والاستهداف والتشويش ، ولهذه القسوة المفرطة من الأذى والاصرار على الاجتثاث والاقصاء والاستئصال . 

وإن من أهداف قوى الاحتلال والرِّدة الآن هو أن يتخلّى البعث عن هذه الفكرة الحية وعن هذه الأصالة ، وأن يقطع الصِّلة بهذا النوع من العروبة ، ويتحوّل إلى حزب تقليدي كغيره من الاحزاب السائدة يقدم ويتبنى برامج سياسية وإقتصادية وإجتماعية وترفيهية وغيرها فقط ، وأن يهادن وينسجم مع واقع متراجع متخاذل متآمر متخلف ومْزرٍ .

ونرى أن جهات داخلية وعربية واقليمية ودولية تبحث عن نوع آخر من ( البعث والبعثيين ) مختلفين مع أنفسهم ، متناقضين مع الفكرة بوصفها المعروف ، ويعمل هؤلاء جاهدين لخلق مجاميع أو تشجيع أشخاص تحت عناوين شتى لضرب البعث وإضعافه ومحاولة إنهائه .

مما يجعلنا ندرك ( خطورة ) أن يكون البعث بهذا العمق من الايمان ، وأن تكون القوى الداخلية والخارجية التي تخاف هذا النوع من البعث وهذا الطراز من العروبة بهذا الحجم من العداء وهذا المستوى من التصعيد المضاد والاستئصال ، وأن نعلم أن طريق البعث وعر وشاق يتطلب إيجاد الوسائل الحديثة والمتجددة والمؤثرة في إدارة الصراع ، وأن نعلم إنها معركة من نوع خاص ، إجتمع فيها ما هو مادي مع ما هو معرفي ومعنوي ونفسي وأخلاقي ، إنها معركة لعودة الروح والكرامة ، ولإنتشال الأخلاق وتعزيز القيم الوطنية والقومية والانسانية ، معركة إنقاذ وطن ونهضة أمة ، إنه سِفرٌ طويل ، لكنه ليس مستحيلاً ، شرط التمسك بالفكرة الاصيلة التي هي الضمانة لتحقيق مشروع الإنقاذ والبناء والنهضة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق