أخر الأخبار

.

اتفاقيات ابن سلمان وعبدالمهدي لن تمّرْ وايران موجودة


اتفاقيات ابن سلمان وعبدالمهدي لن تمّرْ وايران موجودة ! 


عراق العروبة
هارون محمد



لم يمض على عودة رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي الى بغداد بعد اختتام زيارته الى السعودية، غير ساعات قليلة، حتى خرجت أصوات متنفذة في الحشد الشعبي، تطالب حكومة الرياض، بما أسمته (حقوق الدم) كما جاء على لسان النائب والقيادي المليشياوي حسن شاكر الكعبي الذي شكك ايضا بالاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم التجارية التي وقعها عبدالمهدي مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مؤكدا ضرورة ان يتلقى الاف (الشهداء) والجرحى من مقاتلي الحشد، تعويضات مالية من السعودية، كبادرة حُسن نوايا قبل أي تقارب بين البلدين.

ولان الكعبي يعتقد شأنه شأن جميع القيادات المليشياوية الشيعية، بان الفتاوى الوهابية وتدفق الانتحاريين من السعودية ـ حسب قوله ـ هما من ساهما بقتل الاف من منتسبي الحشد، رغم انه يعرف مسّبقاً، ان القيادة السلمانية الحالية، تبرأت من الوهابية وهاجمتها، وشنت حرباً ضارية على تنظيمات القاعدة وداعش وخلاياها النائمة والصاحية ما زالت مستمرة، ولكنه ينطلق من موقع قوة ويفرض شروطاً عالية السقف على الحكم السعودي، الذي ظهر متهافتاً في رغبته بتطبيع علاقاته مع حكومة بغداد، ومندفعاً باغراءات مالية ومشاريع اقتصادية، منها اقامة منطقة حرة للتبادل التجاري بين البلدين في محافظة النجف، وتسيير رحلات جوية مباشرة من المنطقة الشرقية الى مطارها الذي تديره الاحزاب والمليشيات الشيعية الموالية لايران، وهو المطار الذي عجزت الحكومة العراقية وسلطة الطيران الرسمية عن استرداده من الجماعات المهيمنة عليه لحد الآن.

وقد بلغت الوقاحة بالحشد، الى المطالبة بتعويضات مالية ايضا، عن توقف خط انابيب ينبع الذي انشأته الحكومتان العراقية والسعودية مناصفة نهاية الثمانينات، ولم يعمل غير بضعة شهور، لاقدام السعودية على غلقه من جانب واحد، عقب أحداث الكويت في الثاني من آب (اغسطس) 1990، وواضح ان هذه المطالبة بتعويضات عن مشروع لا علاقة للحشد به من قريب او بعيد، تمثل أعلى اشكال الابتزاز السياسي للسعودية واجبارها على التعاطي مع المليشيات ودفع الاتاوات اليها، بعيداً عن السياقات الرسمية والاتفاقيات الموقعة بين حكومتي البلدين، خصوصاً وان عبدالمهدي، كما سابقه حيدر العبادي، لا سلطة له على الحشد الذي يتبع الحرس الثوري الايراني ومرجعه الاعلى الجنرال قاسم سليماني، كما يفخر قادة الحشد جهاراً.

ويتوهم الملك سلمان وولي عهده الامير محمد، اذا اعتقدا انهما يتعاملان مع حكومة بغداد، باعتبارها مركزية وقادرة على الايفاء بالتزاماتها واحترام علاقاتها مع الدول الاخرى، فحكومة عبدالمهدي كما أثبتت احداث الشهور الاخيرة، انها مثل حكومة العبادي السابقة، مضطربة وقلقة لا تقدر على المضي حتى في برنامجها المعلن وتنفيذ بعض مفرداته في الاقل، بسبب خلافات المصالح بين عرابيها مقتدى الصدر وهادي العامري، بل انها لم تستكمل كابينتها الوزارية لحد الان رغم مرور نصف عام على رئاسته لها، فما زالت وزارت الداخلية والدفاع والعدل والتربية، شاغرة ولا يستطيع ترشيح وزراء لها بسبب تنافس الصدر والعامري عليها.

وعادل عبدالمهدي ايضاً لا يختلف عن نظرائه السابقين في تعاطيه مع أزمات العراق الداخلية وعلاقاته الخارجية، ورغم كل ادعاءاته بانه مستقل سياسياً، بعد تشظي تنظيمه السابق (المجلس الاعلى) الى جناحين متصارعين، الا انه مثل ابراهيم الجعفري في هلوساته الخرافية، ويشبه نوري المالكي في ثرثرته الدعائية، ويتفوق على حيدر العبادي في تذبذب مواقفه السياسية، وبالتالي فانه من الصعب الاعتماد على هكذا نموذج غير رصين، في ادارة البلاد بمعزل عن نفوذ مراكز القوى الداخلية التي تغلغت في جميع الميادين والمجالات، والتأثيرات الايرانية التي امتدت الى اغلب الوزارات والمؤسسات والاجهزة الحكومية والامنية، وليس سراً ان ذلك النفوذ وتلك التأثيرات يقفان بالضد من تطبيع او تطوير صلات العراق بمحيطه العربي، ويعيقان تقارب أي بلد عربي او رغبة اي دولة عربية تطييب علاقاتها مع العراق، وتأتي السعودية في مقدمة الدول العربية (المكروهة) من الحكومات التي قادتها الاحزاب الشيعية منذ عام 2005، وعبثاً حاول حيدر العبادي ترطيب العلاقة معها خلال رئاسته للحكومة السابقة، ولكنه رضخ لارادة الاطراف الشيعية وايران في منع الانفتاح على العرب، حتى انه سمع من وسائل الاعلام خبر طرد السفير السعودي السابق في بغداد ثامر السبهان في نهاية آب (اغسطس) 2016 من قبل وزير الخارجية يومئذ ابراهيم الجعفري، ولم يمض على افتتاح السفارة السعودية في العاصمة العراقية ومباشرة السبهان عمله فيها غير عشرة شهور.

ولان ايران وضمن سياساتها في احتكار السوق العراقية لمنتجاتها الرديئة وسلعها الكاسدة، لا تريد تعاوناً تجارياً للعراق مع جميع الدول، والعربية بالطبع على رأسها، ومنعت الحكومات العراقية المتعاقبة من ابرام عقود واتفاقيات للتبادل التجاري مع دول عدة، خوفاً من خروج العراق من دائرة نفوذها الاقتصادي، او فقدان سيطرتها المحكمة على حركة الاسواق المحلية التي تضطر الى عرض وبيع المستوردات الايرانية وخصوصا المواد الغذائية والانشائية والصناعية، وهي منتجة ومصنّعة خارج المعايير الدولية، حتى بلغ الامر الى ظهور حالات تسمم بالجملة، أصابت كثيراً من المواطنين نتيجة تناولهم مواد مستوردة من ايران كالبطاطا والطماطم والرز والزيوت واستعمالهم للصوابين والمنظفات التي تسبب حرقة الجلد وتشويه البشرة، وانهيار بيوتهم التي استخدموا في بنائها حديد تسليح واسمنت ايرانيين، اما السيارات الايرانية فهي كارتونية الصنع وملوثة للبيئة.

وصحيح ان الصناعات السعودية وخصوصاً، المواد الغذائية والزيوت والالبان والمعلبات تحديداً، هي ذات جودة عالية ونوعية جيدة، وقد تم الاتفاق على توريد كميات كبيرة منها الى العراق، لتعويض خسائرها في قطر، المشمولة بالحصار السعودي، الا ان الايرانيين لن يتركوا مجالاً لتدفق السلع السعودية الى الاسواق العراقية وازاحتها لبضائعهم الهزيلة، ولن يسمحوا بتراجع صادراتهم الى العراق، ولديهم أذرع وأدوات حكومية ومليشياوية وحزبية لتقزيم التبادل التجاري مع السعودية وتحجيم الاستيراد منها، خاصة في المرحلة الراهنة التي هي بأمس الحاجة الى أموال تأتي اليها من الخارج لتعويض خسائرها المالية جراء وقف استيراد النفط منها وانحدار عملتها المحلية (التومان) الى الحضيض بفعل العقوبات الامريكية التي ما تزال في بداياتها. 

وعموماً فان المنحة السعودية (مليار دولار) المقررة للحكومة العراقية، وحزمة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التجارية المعقودة بين الرياض وبغداد، لن تثمر اشياء نافعة للجانبين، بسبب افتقارها الى بيئة مناسبة ونوايا حسنة وارادات متينة، لتفعليها وتعميم فائدتها على البلدين بتوازن واستحقاق، وستظهر الايام المقبلة خطأ القيادة السعودية في تعاملها مع عادل عبدالمهدي الذي (لا يحل ولا يربط) كما يصفه العراقيون، كما أخطأت في تقييم حيدر العبادي الذي كان مستشارها ثامر السبهان يقول ان ولايته الثانية في جيب دشداشته، وستذهب الاموال السعودية المخصصة للحكومة العراقية وهي تندب حظها العاثر، نتيجة تهور سياسات محمد بن سلمان واندفاعاته غير المحسوبة واصغائه لثرثرة ابن السبهان، التي خسرّت السعودية أموالاً وسمعة ومكانة.

0 التعليقات: