أخر الأخبار

.

ليس رداً على كردي انتقص من بغداد وعن الحق حاد ؟


ليس رداً على كردي انتقص من بغداد وعن الحق حاد ؟ 


عراق العروبة
هارون محمد


يبدو أن النائب الكردي شيروان دوبرداني زعلان على رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، لأن الأخير غرّد في أعقاب اجتماعات برلمانات دول الجوار، التي عقدت في العاصمة العراقية مؤخراً، وقال إن بغداد أرض العروبة والإسلام، وبنى أبو الشروال اعتراضه على هذا الوصف بأنه يزعزع ثقة العراقيين من أبناء المكونات ويُشعرهم بعدم الانتماء إلى هذا البلد، كما جاء في تصريحاته المهلهلة، التي تحمل كُرهاً لسيدة المدن، وكأنه يُقلد في عنصريته، طائفية زميله الشيعي عمار طعمة، الذي سبّ حاضرة الأمة وشتم تأريخها وخلفاءها في مناسبة سابقة.

وواضح أن دوبرداني، ولقبه هذا ثقيل على الآذان، هل هو اسم لعشيرة مغمورة أو لقرية معزولة؟، لا يفهم في التاريخ، ولا يعرف أن الحواضر في كل مكان وزمان قامت نتيجة مواقعها المتميزة جغرافياً واستراتيجياً، ولوجود بيئة تساعد على السكن والتطور، وفيها ميادين رحبة من مياه ومناخ ومجالات عمل وإنتاج، وعلى وفق هذه الأسس اختار الخليفة العبقري أبو جعفر المنصور مكان بغداد وبنى فيه عاصمة الدنيا، بالإضافة إلى توسطه بلاد وادي الرافدين ووقوعه شمال بابل منطلق الحضارة الكونية العظمى، وقريباً من المدائن أو (طيسفون)، التي بناها الإغريق، قبل الميلاد، لذلك فان من الظلم مساواة بغداد مع مدن أخرى، تشكلت بسبب تجمعات بشرية عابرة أو نتيجة هجرات اجتماعية قاهرة، والغريب أن دوبرداني، يقول في رده على الحلبوسي: (إن بغداد وغيرها من المحافظات تحتضن ..الخ)، من دون أن يفهم أن بغداد ليست مجرد مدينة أو محافظة، فهي عنوان مجد تليد، وشعاع نور بهي، وحاضنة علوم وآداب وثقافة وفنون، وهي كما وصفها البغدادي الكرادي حسن العلوي عاصمة أممية.

وبغداد تكاد تكون العاصمة الوحيدة في العالم التي (بغددّت) حتى غُزاتها ومحتليها من المغول والتتار إلى البويهيين والسلاجقة والعثمانيين والانجليز، باستثناء الصفويين، لأنهم قتلة وطائفيون، والأمر نفسه ينطبق على الغزاة الأمريكيين لأنهم سفلة وعدوانيون، وهي، عبر تاريخها الطويل، تعرضت إلى نكبات وانتكاسات وكوارث واعتداءات، ولكنها كانت في نهاية كل مطاف، تنهض وتنفض ما لصق بها من غبار، وتعود عروساً فائقة الحُسن، تستعيد عافيتها وألقها ومكانتها بصبر جميل وهمة عالية.

بغداد، اليوم، محتلة من أعداء لها، يسعون إلى تصغيرها، وتوسيخ نقائها، وتحجيم عروبتها، والتطاول على سمعتها، وقد اجتمع الأشرار عليها، من كل فج وصوب، حتى وصل العداء لها والحقد عليها مبلغاً بعيداً، من أبالسة وشياطين، على هيئات بشر، يتشبهون بالرجال وهم ليسوا برجال، يحملون أحط الخصال، ويدعّون أنهم عراقيون، وما كانوا عراقيين لا في خلقهم ولا في أخلاقهم، ومن جملة هؤلاء هذا الكردي الدوبرداني الناكر لجميل بغداد، التي استقبلته وآوته وأطعمته وأشبعته، وجمّلت صورته، وعلّت مكانته، التي لا تصلح أصلاً، إلا للعيش في الكهوف والمغارات، كما سابقه عمار طعمة الطالع من أوحال المستنقعات وجيف الطائفية وأحزاب الرذيلة. 

صحيح أن بغداد عاصمة العراق تاريخياً واجتماعياً وإدارياً، ولكنها، في الحقيقة، هي العراق كله، في عظمته ومنزلته، وعندما يُذكر العراق، فان اسم بغداد يقفز معه، يلازمه ويصاحبه، وكأنهما توأمان، كتب عليهما التلاحم والرفقة، في سفر التاريخ ومواجهة الأحداث والتحديات، وعندما تمرض بغداد، فان العراق كله، من أقصاه الى ادناه، يقع صريع المرض، لذلك لا يُشفى العراق مما لحق به طوال سنوات الاحتلال، بشقيه الأمريكي والإيراني، إلا إذا شُفيت بغداد وخَلَتْ من الغرباء والطارئين عليها، وتطهرت من أنفاس أهل الصنان، الوافدين إليها والمستوطنين في ربوعها وأحيائها وشوارعها وضفاف دجلتها. 

إن المحنة، التي ضربت بغداد في نيسان 2003، كانت شديدة وقاسية، لم تكن دار السلام وهي المحاصرة دولياً، مستعدة لها، ولكنها سرعان ما انتصبت قامتها واستعادت حيويتها وقاومت المحتلين وكسرت شوكتهم ودفعتهم إلى العزلة في منطقة محمية بالأسلاك الشائكة ومراقبة الطائرات والدبابات وكلاب الحراسات، حتى أن عدداً من مسؤوليهم وجنرالاتهم، وضعوا كتباً، وأصدروا مذكرات، يعترفون فيها، بأن بغداد لم تحبهم ابداً، ولم تسمح لهم برؤية أو زيارة معالمها، أو الاختلاط بأهلها، إلا وسط اجراءات فصل مناطق، وغلق شوارع، وتسيير دوريات بالمدرعات والعربات المصفحة.

وهكذا فإن من نكد الدنيا، على البغادّة الأصلاء، أن يروا أعداءهم وحُسّادهم والحاقدين عليهم، يأكلون ويشربون من خير بغدادهم، ولكنهم لا يرعون أفضالها، ويسعون إلى تشويه جمالها، وتزوير تاريخها، من دون أن يعلم هؤلاء الطفيليون واللصوص، لغبائهم وسواد قلوبهم ، أن بغداد ستبقى مجيدة، تسمو على جراحها، وتترفع على الشحاذين والدجالين والمتخلفين، سواء من النازلين من أعالي الجبال المتصدعة ، او اللطامين من عبدة القبور الدارسة .

0 التعليقات: