ثورة من طراز جديد
ثورة من طراز جديد
عراق العروبة
د. عادل الخفاجي
أكثر الناس تفاؤلا لم يكن يتوقع كل هذا الموقف وهذا الصمود لشباب العراق. كلنا تفاجأنا بزخم الشباب وما طرحوه من مطالب تنبيء بنضج ووعي قياداتها الميدانية. تذكرت وانا اتابع احداثها بيت شعر للشاعر الراحل محمود درويش وهو مندهش ببطولة المقاومة الفلسطينية التي تفجرت منتصف ستينات القرن الماضي:
ما كنتُ أعلمُ إنّ تحتَ جلودٍنا.........ميلادُ عاصفة ٍ وفجرُ سنابلٍ
ولكن ما هو اكثر من المفاجأة هو ان هناك ما يميز هذه الثورة عن كل الثورات والتظاهرات التي سبقتها حول العالم.
في لحظات انزلوا اهل القداسة من ابراجهم ليدوسوها بأقدامهم الحافية . من كان يجرؤ قبل سنةٍ على المساس بعلي السيستاني والمرجعية ومن كان يجرؤ داخل العراق على ذكر مقتدى الصدر وهادي العامري واشباهه والحشد الايراني وقاسم سليماني بسوء؟؟ ومن يجرؤ على شيوخ العشائر الذين تجاوزوا كل الحدود بسلوكياتهم في الفترة التي سبقت الثورة
انها ثورة ثقافية تغيّر ثقافة مجتمع نشأ على تقاليد سيئة ثابتة طوال قرون .
من هذه التقاليد مثلا: يربي الآباء الاطفال في الوسط والجنوب على إن لاهل العمائم قداسةٌ وموضعٌ رفيع عند الله وعند الناس ( وخاصة السوداء منها التي تعني اتصال نسب معتمري هذه العمامة بالنسب العلوي). يحذر الكبار الصغار انهم ان لم يبجّلوا أهل العمائم كل التبجيل فآن كارثة ستحل بهم وستكون للتقصير بحقهم إشارة تعني حلول اللعنة والاهوال فيهم ومن هنا جاء اصطلاح : لهم شارة وإنهم يشوّرون . المرجع الديني مصونٌ غير مسؤول. يُدفع له خُمس ما يحصلون عليه من رزقٍ وليسَ لهم ان يتساءلوا أين ينفق المرجع الملايين او المليارات التي يجمعها له وكلاؤه . فتاوى المعمم ملزمةٌ لمن يقلده حتى لو طلب منه تطليق زوجته . او قال لك لا تقاوم الجيش الغازي لوطنك . فهو يعلم ما لا تعلمون ويعرف مصلحة الناس اكثر من اي فرد او قائد وتصرفاته وحيً ألهي.
بعد الاحتلال ادخل المحتل الامريكي وكاتب الدستور الصهيوني نوح فيلدمان والموقعون عليه من أحزاب الاسلام السياسي مصطلح المراجع العظام في الدستور وصارت عائلة السيستاني والمقربون اليه الآمر الناهي في تشكيل الحكومة والبرلمان والوصي على صفقات النفط والكهرباء. وصار بعض الناس يتبركون بالطين العالق بإطارات سيارة مقتدى الصدر المعمم الاهوج. ثم اصبح ممثل خامنئي هو من يختار الوزراء والدرجات الخاصة للحكومة العراقية والقضاء المتهافت ومن طهران تصدر قرارات البرلمان .
الآن , يفاجؤنا الشباب اليافعون بتمزيق صور السيستاني ومقتدى بعد ان مزقوا صور الخميني وخامنئي ويقولون فيهم كلهم ما لم يقل مالكٌ في الخمر!! أليست هذه ثورة ثقافية من طراز جديد ؟
قبل الثورة , تعاظمت سطوة شيوخ العشائر فما يجرؤ انسان على المساس بهم . الآن، يطيح الشباب بقدرهم غير آبهين. فيهتفون عقال الما بي غيرة يصلح مربط للطليان ( الطليان هي الخراف) . انها ثورة ثقافية الى جانب انها سياسية. ثورة من طراز جديد .
حين يسقط الفرز الطائفي في ساحة التحرير وحين تنظف ساحة التحرير والشوارع المجاورة طالبات جامعيات وتعالج الجرحى طالبات من كلية الطب فيما تحمل سيدات الاحياء الراقية ببغداد الطعام للمتظاهرين واكثريتهم من مدينة الفقراء الكادحين . مدينة الثورة( مدينة الصدر ) فان الفوارق الطبقية تتلاشى بدون سابق انذار. تشهد على ذلك دموع صاحب تكتك فقيرالتي انهمرت حين رأى شابات جامعيات من حي المنصور ينشدن ويهتفن لشهامته وبطولته. إنها ثورة اجتماعية اشتراكية. ثورة من طراز جديد.
0 التعليقات: