أخر الأخبار

.

البنية الأيديولوجية للظاهرة الخمينية



البنية الأيديولوجية للظاهرة الخمينية؟


عراق العروبة
د. أنمار نزار الدروبي




قبل أن نستعرض التفسير الأيديولوجي للظاهرة الخمينية، نكرر ما ذكرناه في مقال سابق عن الثورة الإيرانية فهي" لم تكون في جوهرها ثورة دينية، بل هي ثورة شعب ناضل من أجل الحرية والكرامة ضد القمع والاستبداد الذي أطاح بشاه يضع تاج على رأسه فسرقه شاه دجال يلبس عمامة دينية"


لكن الحقيقة التي لا غبار عليها هي أن تركيبة هذا النظام وقاعدة استناد بناءه لا تتقبل التغيير بوجوب استحقاق التطور الإنساني.

كان لانتصار الثورة الإسلامية في إيران في بداية ثمانينات القرن الماضي، حدثا كبيرا وخطيرا، فلم تكن تلك الثورة تحولا كاملا في تاريخ إيران فحسب، بل كان لها نتائج بعيدة المدى على العالم أيضا، حيث تسببت في تحول عميق في الجغرافيا السياسية العالمية. ويمتاز الاجتماع الشيعي في إيران بمميزات تفتقدها المجتمعات الشيعية الأخرى، ذلك أنه ذو تركيب أحادي، لا ينطوي على إشكاليات الثنائية المذهبية، أو التعددية الدينية أو الثقافية. حيث عبرت أطروحة ولاية الفقيه عن الحقائق السوسيولوجية، مثلما هي في الأصل تعبير عن منظومة المعتقدات الدينية. بيد إن سلوك الفقيه الحاكم يتصل بالإمام الغائب، ومنه بالله، وإن الجمهور لا ينتخب ولي الفقيه، بل يبايعه عبر رجال دين مدى الحياة، فهو يمثل المطلق المقدس معا، بحيث يكون للولي الفقيه ما يشبه حق الفيتو وحق الوصاية على رئيس الجمهورية وكل سلطة الدولة. وتأسيسا لذلك، فإن الحكم الفعلي والدائم هو للولي الفقيه لا لرئيس الجمهورية، على الرغم من المظاهر الديمقراطية المستعارة في إيران.

إن البنية الأيديولوجية للظاهرة الخمينية كانت وما تزال هي الأساس في انتشار وتغلغل نظرية ولاية الفقيه في بعض الدول العربية والعالم الإسلامي. ولهذا تحولت هذه الظاهرة إلى توجها كارثيا يُلقي بتأثيراته على الواقع الذي نعيشه. وتتميز البنية الأيديولوجية للظاهرة الخمينية، كونها تنطلق من منظومة فكرية متعددة ومتناقضة، تمزج بصورة غير متجانسة، بين الفقه المنضبط بقواعد وأصول، والفكر الاجتهادي الشخصي المحكوم باللحظة التاريخية الذي وصل بها الخميني إلى الحكم في إيران. وهذا بحد ذاته بعيد كل البعد عن الدين الإسلامي، وإنما هو في حقيقته مُعبرا عن موقف الخميني لقضايا معينة. وبالتالي فإن نظرية ولاية الفقيه المتطرفة وما تقود إليه من مظاهر استخدام وسائل العنف المادية (الإرهاب).. هي جزء أساسي ولا ينفصل عن باقي تيارات وجماعات الإسلام الراديكالي. وبلا شك فإن البنية الأيديولوجية لهذه الظاهرة تعاني من اعتلالات منهجية في الربط، ما ينبغي أن يكون عليه الواقع، وبين ما هو قائم، وذلك يرجع أصلا لوجود خلل فكري ومفاهيمي في منظومة القيم والمعتقدات الدينية لنظرية ولاية الفقيه. لقد تمكن الخميني وما بعده خامنئي من ممارسة السياسة إسلاميا، بمعنى أنهما استغلا السياسة لممارسة العنف الإرهابي في محاولة منهما لتحقيق مقاصدهما ومآربهما تحت ستار تطبيق أحكام الشريعة في الجهاد من أجل بناء نظام إسلامي. حيث سعى الخميني وجماعته من الملالي المنضوية تحت عباءة ولاية الفقيه في كل توجهاتهم إلى العنف الفكري والعنف المسلح، وكذلك في التشكيك بعلماء الإسلام، على أنهم علماء سلطة وإلصاق التهم بهم، بالإضافة إلى التعدي على أشخاصهم ومكانتهم.

وتأسيسا لما تقدم.. فإن الظاهرة الخمينية تجسد العنف الديني أو ما يسمى الإرهاب الديني بمعناه الشامل والواسع، فهي تمثل تهديدا مختلفا جدا عن التهديد الذي يمثله الخصوم الإرهابيون التقليديون، بحيث يكون أشد فتكا ونهشا. وإن ما يجعل العنف أكثر خطورة ولا يعرف اللين لديهم، كون أن الخميني وخامنئي يضعون الصور الدينية للصراع الإلهي، في خدمة معارك سياسية دنيوية، لهذا فإن العنف الخميني يمثل استحضارا لصراع روحي وليست مجرد تكتيكات ضمن صراع سياسي. في الجانب الآخر من الرواية، يعتقد المغيبون من الشيعة في العالم، أن إيران الخميني معنية بهم وبالدفاع عن حقوقهم، بل على العكس، إن إيران ليست معنية بإصلاح الشيعة في هذا العالم ولا لجعل أتباعهم يعيشون في عالم أفضل، وإنما بتدميرهم والإساءة إليهم، وإن ما يهم إيران هو القومية الفارسية وتدمير القومية العربية والمواطن العربي أيا كانت إنتماءاته، وإن لم يكونوا معنيين بتدمير العالم، فهم معنيون على الأقل بالتآمر على دولنا العربية ومحاولات إعادة تشكيل المنطقة على نحو يخدم مصالحهم وتطلعاتهم التوسعية التي تنطلق من خلفيات إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية.

0 التعليقات: