أخر الأخبار

.

البيت الشيعي المشطور وإدمان الفشل المجرور



البيت الشيعي المشطور وإدمان الفشل المجرور!


عراق العروبة
هارون محمد




كان واضحاً، منذ البداية، وقلنا ذلك في مقال سابق، إن (البيت الشيعي)، بأحزابه ومليشياته، اضطر إلى الاتفاق، على تكليف مصطفى الكاظمي، وهو يعرف مسبقاً، هواه الأمريكي، لاستغلال الوقت الضاغط على قياداته، التي اعترضت على مرشحين سابقين، محمد علاوي وعدنان الزرفي، وأيضاً لاستخدامه، في (تبريد) الأزمات، وباتت لا تنحصر، بإخفاقات العملية السياسية، وفساد السلطة الحاكمة، وتغول السلاح، وإنما امتدت إلى اختناق اقتصادي، وضيق معيشي، وتدني أسعار النفط، وانهيار صحي، بسبب وباء (كورونا)، مع ما رافق ذلك، من تزايد السخط الشعبي، الذي يهدد بعودة التظاهرات، إلى الساحات، برغم التحديات.


وعتدما يقول النائبان المليشياويان، فالح الخزعلي ومحمد الغبان، إن على الكاظمي، أن يحترم اتفاقه مع القيادات الشيعية، وتذكيره بمصيري علاوي والزرفي، والأخير طالبه بتنفيذ الاتفاق بـ(المسطرة)، فهذا يعني أن أقطاب البيت الشيعي، يريدون حكومة على مقاسهم، ولا تخرج عن خياراتهم، في الحصول على وزارات، فيها (خبزة) وقوة، وقد اتضحت أنها، وزارات النفط والكهرباء والنقل والاتصالات والصحة والداخلية، والمشكلة، التي وقع فيها الكاظمي، أنه وافق على أن تذهب هذه الوزارات إلى مكونات البيت الشيعي، ولكنه فوجيء أن هادي العامري، يصر على أن تكون وزارات الداخلية والنقل والاتصالات من حصته، في حين يطالب الصدريون بوزارات الداخلية والصحة والعمل، بينما قنع عمار الحكيم بوزارة النفط، في حين لم يعد نوري المالكي، يكتفي بوزارة التعليم العالي، وإنما يريد ان يكون له رأي ودور، في اختيار وزير الداخلية، في وقت يمني المكلف نفسه، بتعيين ضابط شرطة شيعي (لواء) لإدارة الوزارة، كما ينقل عن أوساط مقربة منه.

وواضح أن تكالب القيادات الشيعية، على وزارة الداخلية، يضمر في طياته، تنافساً شرساً، على هذه الوزارة، الكبيرة في مسؤولياتها الأمنية، والكثيرة في أعداد أجهزتها وقواتها ومنتسبيها، بالإضافة إلى ضخامة ميزانياتها وتخصيصاتها المالية، وقد بذل الكاظمي جهوداً وصلت إلى حد التوسل، لإقناع هادي العامري ونصار الربيعي، ممثل مقتدى الصدر، خلال اجتماع عقده معهما، مساء الأربعاء الماضي، بحضور نوري المالكي ومندوب مليشيات العصائب، عدنان فيحان، بالاتفاق على مرشح واحد للداخلية، الا ان الاثنين أصرا على أحقية كل منهما، في شغل الوزارة.

وإذا كان الربيعي، لم يعترض على تشكيلة الوزراء، التي حملها الكاظمي إلى الاجتماع المذكور، باستثناء الداخلية، التي تم تأجيل التشاور بشأن وزيرها إلى الاسبوع المقبل، فان المالكي اعلن رفضه لتعيين حارث محمد حسن القرعاوي لوزارة الخارجية، متهماً اياه بانه من جماعة رايان كروكر، السفير الامريكي ببغداد في العام 2007، برغم ان حارث، طائفي حد النخاع، وشيعي سوقي، في كتاباته وعلاقاته، في حين سجل العامري، اعتراضه على استمرار جعفر علاوي وزيراً للصحة، وهو يعلم ان التيار الصدري رشحه، بدلاً من الوزير السابق المستقيل، علاء العلوان، الأمر الذي أثار غضب ممثل مقتدى، وأعلن اعتراضه هو الآخر، على وزير الاتصالات الجديد، حسن الخطيب، وهو مرشح قيس الخزعلي، حليف العامري، على طريقة واحدة بواحدة، والبادي أظلم، وانتهى الاجتماع، على وقع سجال صاخب، خرج منه الكاظمي، يحمل إحباطه، ويجر أذيال خيبته.

ومما فاقم في صعوبة مهمة الكاظمي، في جمع الرؤوس الشيعية الكبيرة، على تمرير كابينته الوزارية، أن هادي العامري، أمهله، أسبوعًا واحداً، على شكل إنذار، لـ(تصحيح) مساره، ومراجعة تشكيلة حكومته الأولية، وإجراء تعديلات عليها، مع تذكيره أن كتلته (الفتح) هي صاحبة فضل عليه، كونها هدأت كتائب حزب الله، التي اتهمته بالعمالة لواشنطن، والتورط في مقتل قاسم سليماني ومساعده أبو مهدي المهندس، ولم يتوقف زعيم مليشيا بدر، عن هذا الحد، بل أنه لوح أن الكتائب المذكورة أكدت انها بصدد اتخاذ إجراءات أخرى في حال مُررت حكومته في مجلس النواب، واللبيب من الإشارة يفهم.

لقد أخطأ مصطفى الكاظمي، عندما تخيل، أن قادة البيت الشيعي، قد أجمعوا على تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، حباً به، أو تقديراً له، دون ان يدرك، لقلة خبرته السياسية، أنهم كانوا وما زالوا، بحاجة الى مخرج مؤقت، يُنفّس عن أزمتهم، التي باتت تشّد الخناق على أنفاسهم، ويحمي فشلهم، الذي أدمنوا عليه، وصار منهجاً لهم، وكان عليه وهو المطلع على خفاياهم وعلاقاتهم وأجندتهم، من موقعه رئيساً لجهاز المخابرات، أن يفكر ألف مرة ومرة، قبل ان يوافق على (إجماعهم) الكاذب، ولم ينتبه إلى أنهم يريدونه أداةً، يتستر على فسادهم وانحرافاتهم، وغطاءً يُسهّل بسط نفوذهم إلى مديات أكبر وأوسع، وليس أمامه، الآن، إذا واصل سعيه إلى تشكيل حكومته، غير طريقين لا ثالث لهما، فأما ان يكون خيال مآته، وأما أن يكون عادل عبدالمهدي (مُحسّن) قليلاً، وفي كلتا الحالتين، يكون هو الخاسر، إذا كان يفهم معنى الخسارة ومغزاها.

0 التعليقات: