أخر الأخبار

.

حروب المظاهرات في العراق



حروب المظاهرات في العراق 



عراق العروبة
جاسم الشمري


المجتمعات المدنية المتحضرة هي التي تستخدم الأساليب الإنسانية الراقية للتعبير عن مطالبها وحقوقها سواء من حيث الآليات، أو الأدوات الداعمة لتحقيق المطالب، وهذه الحقوق، أو المطالب ينبغي أن تكون حقوقاً مشروعة، وليس من العقل والحكمة أن تكون تلك المطالب غير واقعية وتعجيزية؛ لأن هذا من العبث الذي لا يليق بالعقلاء .
والمظاهرات تُعد في عالم السياسة اليوم من الأساليب الحضارية المتميزة الهادفة لتحقيق التغيير والإصلاح في المجتمعات، وخصوصاً في عالمنا العربي ضمن موجة ما بات يعرف في العالم باسم الربيع العربي .

الثورة العراقية، أو الربيع العراقي هو جزء من الربيع العربي الهادف لتحقيق جملة من الأهداف الشرعية والقانونية والدستورية والإنسانية، وهو ما زال مستمراً منذ شهر تقريباً في محافظات الانبار والموصل وديالى وصلاح الدين وكركوك، وفي أكثر من نصف العاصمة بغداد .

هذه المظاهرات هي استمرار للربيع العراقي الذي انطلق في 25 شباط/ فبراير 2011، والذي جوبه حينها بنيران الأجهزة الأمنية الحكومية، وكانت الحصيلة أكثر من (20) قتيلا ومئات الجرحى . 

ومنذ ذلك اليوم استمرت المظاهرات على نحو ضيق في ميدان التحرير ببغداد، إلى أن ظهرت بأقوى وأبهى صورها قبل شهر تقريباً في محافظة الانبار غربي العراق، ولتمتد بعدها إلى أكثر من ست محافظات عراقية، في الشمال والشرق والوسط.
وبمتابعة تعاطي الحكومة الحالية مع الحدث، فإننا نلاحظ بأنها أخفقت في امتصاص نقمة الشارع، بل على العكس من ذلك صارت تكيل الاتهامات للمتظاهرين بالعمالة، وبتنفيذهم لأجندات خارجية، وباستلام أموال من الخارج، وهو ما جعل النقمة الشعبية تتزايد ويرتفع صوتها وسقف مطالبها، إلى درجة المطالبة برحيل الحكومة.  

حكومة المالكي لم تكتف بهذا الحد من التجاهل والاتهام، بل عمدت لإخراج مظاهرات مؤيدة لشخص السيد المالكي وحكومته في بعض المناطق، ومنها العاصمة بغداد وبعض المدن الجنوبية، ومنها مدينة النجف، حيث شهدت ساحة التحرير وسط بغداد مظاهرة تأييد للمالكي عبر المشاركون فيها عن رفضهم إلغاء قانون المساءلة والعدالة، والمادة الرابعة من “قانون مكافحة الإرهاب”. 
  
غالبية المتابعين للشأن العراقي وجدوا في هذه المظاهرات المضادة اسلوباً ملتوياً للمماطلة، وفتح الباب على مصراعيه لكافة الاحتمالات للأوضاع المتأزمة في العراق، وهذا ليس من الحكمة بشي، وهذا ليس كلام المعارضين للمالكي فقط، بل هو كلام بعض شركائه في العملية السياسية، ومن ذلك تعليق رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان النائب بهاء الأعرجي على هذه المظاهرات حيث قال: إنها “مدفوعة الثمن وليست عفوية”، محذراً من “خروج الأزمة عن سيطرة الأحزاب”. 

اسلوب المظاهرات، المؤيدة للحكومة، مع الأسف الشديد، لا يمت للمصلحة الوطنية بشيء، وإلا فإن الحكومات الحريصة على بلادها ينبغي أن تتعاطى مع المظاهرات بروح ايجابية، وليس بردود فعل عكسية وسلبية، فليس من المنطق اتهام نصف الشعب العراقي بالعمالة لأجندات أجنبية؛ لأن هذا يعتبر قتلاً للمصداقية والمبادئ والقيم في بلاد كتبت على أرضها أولى القوانين الوضعية للكون . 

الأسلوب الصحيح يكون بدراسة هذه المطالب دراسة جدية ومنطقية؛ لأن الوضع المأساوي العام، والتفجيرات المستمرة، والاعتقالات العشوائية في البلاد تؤكد صدق مطالب الجماهير! وهذا الكلام يعرفه القاصي والداني، والعدو والصديق، وتشهد به المنظمات الأجنبية والإقليمية والمحلية . 

أما القول بأن بعض المطالب الجماهيرية تتعارض مع الدستور، فهذا الكلام لا يمكن تقبله؛ فهل الدستور الذي كتب في بغداد بعد الاحتلال صار مقدساً إلى هذا الحد؟!
الجماهير العراقية تطالب بحقوقها المشروعة التي أقر بمشروعيتها أغلب أقطاب العملية السياسية الحالية، وعلى العقلاء التعاطي معها بحكمة وإخلاص، بعيداً عن التهكم والاتهامات الباطلة؛ لأن الأسلوب التهكمي التعجيزي سيغلق سبل الحل، وسيعقد المشهد الذي هو بالأساس بحاجة إلى من ينشر الأمن والأمان في ربوعه .

صحيفة الدستور الأردنية



0 التعليقات: