أخر الأخبار

.

من يشكو المظلومية سابقا لماذا يمارسها الآن؟


من يشكو المظلومية سابقا لماذا يمارسها الآن؟





عراق العروبة

علي الكاش * 






( لتكن إنتفاضة الأنبار فوق أي إعتبار)


من يعتقد بأن عراق اليوم هو بلد عربي أو يمت للعروبة بأدنى صلة فهو على ضلال مبين. ومن يعتقد إن للعراق سيادة وإستقلال وكرامة فتلك وربٌي لنكتة سمجة.
 ومن يدعي بإن في العراق حكومة وطنية وبرلمان يمثل الشعب، قل له لا تمزح معي! ومن يظن إن في العراق تخطيط وتنمية وتقدم، فهو يضحك على نفسه وليس على غيره. ومن يظن إن الشعب العراقي يعيش حلم الديمقراطية وليس كابوس الفوضى اللاخلاقة، فهو خائب تماما. ومن يظن إن مرجعية النجف ستنأنى عن نفسها بالتدخل في الشؤون السياسية وفق توجيهات الخامنئي، قل له : كفاك حلما!

الحكم عند المرجعية يعتبر مكسبا جوهريا لا يمكن التفريط به لأنه يكمل مشروع الولي الفقيه في تصدير الثورة البائسة، ويبشر بتوسيع رقعته الجغرافية على حساب الأمة العربية. بغض النظر عن سوء إدارة الحكم وفساد الحاكمين، الحكم وما أدراك ما الحكم حلم المراجع الذي يداعب خيالهم منذ سقوط الدولة الصفوية في العراق. والحكم لا يعني طبيعة الحكم نفسه بل المقصود به الحاكم وتوجهاته بما يتناسب والأجندة الفارسية في العراق.


منذ العهد الملكي ولغاية الغزو الامريكي عام 2003 كان الشيعة يشاركون مشاركة فعلية وفاعلة في إدارة البلاد، فأكثرية الجيش والشرطة والبعثيين هم من الشيعة. واكبر فرع لحزب البعث كان (فرع صدام) في مدينة صدام سابقا والصدر لاحقا والله العالم الإسم القادم للمدينة المتلونة! كما إن حوالي نصف الوزراء والمدراء العامين وأعضاء المجلس الوطني هم من الشيعة. وأكثر من نصف المطلوبين الـ(55) على القائمة الامريكية هم من الشيعة. لذا لا صحة مطلقا لما يدعونه بالمظلومية، فالمظلومية الحقيقية لهم ولغيرهم مصدرها الطغمة الشيعية الحاكمة حاليا والتي إنتخبوها بتزكية المرجعية الدينية في النجف وقم. وسينتخبوها لاحقا تحت شعار نصرة المذهب. نصرة حققها لهم الامريكان والصهاينة او النصارى واليهود ولا فخر لهم بها.


المظلومية التي يدعونها زورا يمارسونها الآن واقعا. فهم يعملون وفق المثل العراقي الدارج" لا أرحمك، ولا أخلي الله يرحمك" وهو يمثل أعلى مرحلة من مراحل الطغيان والإستبداد والذل والإستعباد. لا تكتفِ بغلق باب الدنيا أمام الطرف الآخر بل تغلق بوجهه باب السماء أيضا. دون أن تعي بأن للسماء عدة أبواب فإن أغلقت احداهما فهناك العشرات مفتوحه بوجه المستضعفين والمظلومين. كما إن لله أبواب وليس باب واحدة كما يظن المستكبرون.


الحقيقة إن منهج الحكومة الطائفية في العراق مستمد تماما من هذا المثل القاسي في طريقة تعاملها مع مع الشعب العراقي عامة وأهل السنة بشكل خاص. فهم بنظرها طرف معادي وليس شقيق. طرف مهمش وليس رئيسي، يمثل نصف الشعب العراقي. طرف لا يؤتمن ولا يحق له العيش الكريم. جميع أهل السنة من البعثيين والإرهابيين والسلفيين. يكرهون آل البيت ويناصبونهم العداء. ولكن لو أحصينا عدد أهل السنة ممن يحمل أسماء علي وحسين وفاطمة. وقارناه بعدد الشيعة ممن يحمل إسم عمر وبكر عائشة لتكشفت الحقيقة بوضوح لتمييز الطرف المتسامح عن الطرف المتطرف، ومن يحب فعلا النبي(ص) وصحبه وآل البيت رضوان الله عليهم اجمعين.


من المؤسف إن الأشقاء الشيعة معظمهم وليس كلهم بالطبع، مؤيدون ومتضامنون مع سياسة الحكومة الطائفية والفاسدة بإعترافهم هم قبل غيرهم، وهذا يفسر سكوتهم عن جرائمها بحقهم وحق غيرهم من العراقيين. بل يمكن القول بصراحة بأن بعض الجهات المتضامنة مع أهل السنة، هي أما تعمل وفق عقيد التقية نعوذ بالله منها، أو وفق مخطط الحكومة نفسها لكسب ودٌ أهل السنة ولتشتيت صفهم وإضعاف شوكتهم وتخدير مطالبهم كسبا للوقت، أو لتهدئة عواطفهم إنطلاقا من مبدأ حسن النية، وهذا أضعف الإيمان.


فمقتدى الصدر مثلا يدعي بإنه متضامن مع مطالب المنتفضين المشروعة، لكن لا يشاركهم في تلك المطالب المشروعة لا شعبيا من خلال المشاركة في التظاهرات، ولا برلمانيا من خلال نوابه الأربعبين، ولا حكوميا من خلال وزرائه السبعة في مجلس الوزراء. ولا يتورع من ترك الأساسيات والتشبث بالكماليات من خلال التركيز على نقاط هامشية وجانبية لا طائل من ورائها، لتبرير موقفه المتذبذب من الإنتفاضة.


منها إدعائه برفع المتظاهرين شعارات غير مقبولة كالإستعانة" بدول من خلف أسوار البلد. وفتح نقاط طائفية" متجاهلا بأنه طائفي من رأسه حتى نعاله، ويتزعم تيارا طائفيا، ويقود ميليشا طائفية. وإنه كان لفترة طويلة في إيران يرعى في رياضها الطائفية. وعندما غادرها كان وفق اجندة" دولة خلف السوار" وليس وفق إرادته. وان جيشه الطائفي تدرب وتسلح ومُول وينفذ اوامر" دولة من خلف أسور البلد".


عندما تتناطح ثيران الأحزاب الشيعية في الحلبة العراقية وتتكسر قرون بعضها، يهرع كبارها بسرعة الى حضيرة الولي الفقيه لحل مشاكلهم. ولكن عندما يستنجد خطباء جوامع وليس زعماء سياسيين بالرئيس التركي اوردغان لمساندة مطالبهم المشروعة، تثور ثائرة الشيعة وتنقلب الدنيا رأسا على عقب!


زعماء النظام الشيعي الحاكم يُهربون المال والسلاح الى النظام المجرم في سوريا ليقتل بها شعبه الصامد. كإن هذه ليست "من خلف اسوار البلد"! ويرسلون عناصر من ميليشايتهم الطائفية القذرة لقتل الأشقاء السوريين، كإن هذه ليست "من خلف اسوار البلد"! ويدفعون بقوات عسكرية عراقية وايرانية - متنكرة بملابس عسكرية عراقية- الى منفذ اليعربية الحدودي لمقاتلة السوريين على أرضهم، كإن هذه ليست "من خلف اسوار البلد". ويتدخلون في شؤون البحرين والقطيف واليمن، كإن هذه ليست "من خلف اسوار البلد". لكن مطالبة رجال دين بتدخل اوردغان لتحقيق التوازن في كفة التدخل الخارجي في شؤون العراق مرفوض رفضا باتا!


لقد كشفت احداث سوريا مدى طول اذرع الأخطبوط الإيراني في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن والقطيف والكويت، والأذرع الجديدة التي تمتد خفية وبهدوء إلى الأردن ومصر والسودان والمغرب العربي لبث الفتنة الطائفية تطبيقا لشعار (نشر عدوى الثورة الإسلامية) فيها، عبر تزويد المواطنين الشيعة فيها بالأسلحة والمتفجرات وتأسيس خلايا تجسسية.


لم تعد هناك أوراق مخفية، فقد طرحت جميعها على طاولة الحقيقة. البارحة كان بشار الأسد مجرما يرسل اإرهابيين للعراق، واليوم أصبح سقوطه يهدد النظام الشيعي في العراق! البارحة يهدد المالكي برفع قضية نزوح الإرهابيين من سوريا للعراق في أروقة الأمم المتحدة، واليوم يصدر الإرهابيين الإيرانيين والعراقيين الى سوريا! البارحة يرفض تدخل دول الجوار(عدا ايران بالطبع) في الشأن العراقي الداخلي، واليوم تدخل قواتنا المسلحة الشيعية الى داخل الحدود السورية لقتل اشقائنا العرب! هل هذه سياسة حكومة أم مجموعة من الحشاشين؟


أما من يتبجح من زعماء الشيعة بأن بشار الذئب هو المدافع عن القضية الفلسطينية وحامي العرين العربي وغيرها من المصطلحات الجوفاء. فتلك اصبحت نكتة سخيفة مللنا من سماعها.

نقول لهم بأن الغارات التي شنها ذلك المستئذب على شعبه، والقوات العسكرية الضخمة والأسلحة التي راهن بها على جحشه الحكومي الخاسر في جميع الأحوال، لو كان قد إستخدمها ضد الكيان الصهيوني لكان حرر بها الجولان، بل وزلزل بها كيان ذلك النظام المسخ مثل نظامه! كل تلك الأسلحة سبق أن قد قدمها الدول العربية للنظام السوري خلال القرن الماضي على إعتبار انه يمثل إحدى جبهات الصمود والتصدي للكيان الصهيوني، فإذا بالرئيس العار يوجهها لقتل شعبه.


ثم أي مقاومة لنظام بشار يتحدث عنها زعماء الشيعة؟ لا نظام الأسد الأب ولا جروه أطلقوا رصاصة واحدة على الكيان الصهيوني منذ اكثر من اربعة عقود! ولا فتحوا أفواههم في الأمم المتحدة للمطالبة برجوع الجولان ولا هم حرروها. وحسن نصر منشغل بمقاتلة شعبه والسوريين معا بدلا من توجيه بنادقه للصهاينة. 

وقد أكد مؤخرا مؤسس حزب الله السي(د صبحي الطفيلي) بأن حزب الله يخدم الأجندة الصهيونية، بل ويتحمل وزر موت كل مواطن سوري بسبب مشاركة الحزب الفعلية في القتال ضد الشعب السوري. والنظام الحاكم في العراق عجينة عجنها الكيان الصهيوني وشوتها امريكا وأكلتها إيران. فعن أية مقاومة يثرثرون؟ إنها مقاومة اعلامية على الورق لا غير.


إن حرب الإعلام تكون احيانا حربا ضالة أو تعتمد التضليل، فلا تعكس مطلقا جوهر الإتفاق والاختلاف بين الأطراف المتنازعة. إن مصالح الدول فوق كل إعتبار وهي التي تحدد مواقفها السياسية. فعلى سبيل المثال هاجم الكيان الصهيوني العراق ودمر مفاعل تموز النووي في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، دون أي تهديد مسبق بالضربة أو إثارة ضجة إعلامية. وهذه استراتيجية الحروب السليمة التي تحقق مبدأ مباغتة العدو وفق السياقات الحربية، من خلال توجيه ضربة إستباقية لشل قواته وإضعاف معنوياتها وتدمير مؤسساته الحيوية. ونفس الكيان المسخ هدد بضرب ايران مئات المرات، وكل يوم تدور حرب شرسة بين الطرفين في وسائل الإعلام تهدد بزلزال قادم. فلا نجادي أزال اسرائيل من الخارطة، ولا إسرلئل ضربت ايران او مفاعلها النووي! لذا النتيجة تكذب الفرضية.


لا ننكر بأن الإستعانة بالغير إسلوب غير صحيح لحل مشاكل الوطن. ويفترض بالأشقاء أن يحلوا مشاكلهم في بيتهم دون الحاجة لتدخل الجيران. لكن هل إلتزم الزعماء الشيعة بهذا الإسلوب كي يطلبوا من الآخرين أن يحذو حذوهم؟ عندما هددت دولة " من خلف الأسوار" دخول العراق وإنهاء الإعتصامات الجارية في المحافظات السنية في حال فشل الحكومة عن حلها. لماذا لم يثور بركان الغيرة الوطنية؟ ولماذا حذفت مفردات السيادة والإستقلال واحترام علاقات الجوار من القاموس الشيعي؟ على سبيل الإفتراض لو صرح اورغان بأن قواته ستدخل العراق لحماية أهل السنة من جور النظام. هل ستُقبض ألسنة الزعماء الشيعة أم يصيبها الإسهال؟ حيث تنهال بيانات وتصريحات الإدانة والإستنكار من كل حدب وصوب؟ إذن لمذا يكيلوا بمكيالين؟


لا ننكر أيضا وجود تظاهرات للشيعة محدودة العدد والعدة والمطالب تتباين في قوتها وكثافتها من مكان لآخر. ولكن مطالبها كالملح الفوار سريعة الفوران، رغم إنها لا تعالج حموضة الموقف بشكل دائم. فشعارات ومطالب التظاهرات لا تخرج عن نطاق الإصلاح حتى لو كان جزئيا. لكن كلا وألف كلا للتغير الحكومي. فنصرة المذهب فوق كل الإعتبارات السماوية والأرضية. حكومة شيعية فاسدة- كما نوه بعض رجال الدين الشيعة في افلام عرضت مؤخرا- أفضل من حكومة سنية نزيهة. 

وحاكم شيعي إرهابي ولص وظالم أفضل من حاكم سني شريف أمين وعادل. هذه هي العقلية الشيعية السائدة في الوقت الحاضر، صفوية غائمة كليا.


أما الأقلية الشيعية العربية المعتدلة كجماعة الحسني الصخري والخالصي والمؤيد وتجمع عشائر الجنوب وجماعات أخرى، فإنها تحبو حاليا ولم تتمكن بعد من الوقوف على قدميها الضعيفتين بحكم قوة الجذب الفارسية لشيعة العراق.

 لكنها تبقى الأمل القائم وننتظر وقوفها وثباتها لتكون بمستوى المقارعة، مع إنها تحتاج الى مساعدة معنوية عراقية وعربية ودولية لتشد من أزرها. كما يترتب عليها مواقف أكثر وطنية وأقل طائفية، فإنتفاضة الأنبار وموقف الجماعات الشيعية المعتدلة منها، هي المحك الأساسي للحكم على وطنيتها وعدم طائفيتها، أو انخراطها لخدمة الأجندة الإيرانية في العراق والمنطقة عموما. فمطالب أهل الأنبار هي في الحقيقة مطالب كل العراقيين، ومن يدعي غير ذلك فإنه يعيش في كوكب آخر.

ولنا وقفة أخرى بعون الله.



* كاتب ومفكر عراقي


0 التعليقات: