أخر الأخبار

.

عبيد العمائم السوداء


عبيد العمائم السوداء

عراق العروبة
بقلم / فاروق يوسف


في العراق حكومة شيعية. ولكن ما معنى ذلك المصطلح المكون من مفردتين، تناقض أحداهما الأخرى؟ فمفردة "حكومة" صارت في عصرنا الراهن تشير إلى مفهوم مدني، يحكمه مبدأ تداول السلطة سلميا بين المكونات السياسية وفقا لإرادة المجتمع. فيما تشير الثانية إلى مفهوم ديني "مذهبي" راسخ لا يطاله التغيير. 

إذا ما قبلنا جدلا بهذا التناقض المفاهيمي فاننا سنجد أنفسنا في مواجهة حيرة استفهامية تتخطى السياسي إلى ما هو اجتماعي. فهل هناك عمليا كتلة بشرية يمكن أن نسميها بالشعب الشيعي؟ 

هناك خلط مقصود بين ما هو سياسي متغير وما هو مذهبي ثابت، غايته تذهب إلى احلال الانتماء المذهبي محل الفكر السياسي، وصولا إلى تمكين الأحزاب الدينية من تكريس وترسيخ مشاريعها الانعزالية التي تعبر عن قطيعة مزدوجة في مواجهة العصر ومتطلبات الاندماج فيه وتمثل تحولاته التاريخية من جهة ومن جهة أخرى في مواجهة الاستحقاقات الوطنية بكل أبعادها الحديثة. 

ولكن هل يجوز منطقيا أن يتم وضع كتلة بشرية (أقصد الشيعة) كانت إلى وقت قريب تساهم في الحياة السياسية من منطلق المواطنة بين قوسي المذهب الذي تفكر من خلاله دينيا؟ غير أن السؤال الذي يجب أن يسبق كل الاسئلة هو "مَن قال أن جميع اتباع المذهب الشيعي في العراق هم متدينيون، لكي يتم اختزال وجودهم في شيعيتهم ومن ثم يحق للأحزاب الدينية أن تمثلهم؟" 

أن الكذبة التي جرى تسويقها والترويج لها بعد الاحتلال الاميركي والتي تقول بان العراق كان محكوما لسبعين سنة من قبل اتباع المذهب السني كانت بمثابة الجسر الذي يسهل وجوده عملية الانتقال من التصور المدني الذي بنيت على أساسه الدولة العراقية الحديثة إلى تصور ديني، هو في حقيقته المشروع الوحيد الذي تنتظم حوله أفكار الأحزاب الدينية وأهدافها. 

الدليل على ذلك أن كل ما ربحه أتباع المذهب الشيعي في العراق من وجود الاحزاب الدينية التي احتكرت تمثيلهم في الحكم أنهم صاروا يمارسون طقوسهم المذهبية (اللطم وشق الرؤوس والمشي الماراثوني إلى الأضرحة وطبخ وتوزيع الهريسة) بحرية وبطريقة علنية، كانت دائما مكلفة ماديا وبشريا. في المقابل فان حياتهم وسبل العيش وعلاقتهم بالعصر والخدمات التي يحتاجون إليها لكي يرتقوا بوجودهم الإنساني إلى مستوى مقبول من تعليم وتطبيب وعمل ورعاية اجتماعية ومواصلات وسواها من مشاريع البنية التحتية كالهرباء والمياه الصالحة للشرب والصرف الصحي قد شهدت تدهورا مريعا. بل أن حقهم في العيش بسلام صار مهددا، بسبب عجز الحكومة الطائفية عن حماية فقرائهم وهم الأغلبية. 

ولا نبالغ إذا قلنا أن المحافظات التي تسكنها غالبية شيعية هي اليوم في أسوأ أحوالها مقارنة بما شهدته من اهمال عبر السنوات السبعين التي تشكل عمر الدولة العراقية الحديثة. فبعد ثمان سنوات هي العمر التقريبي لما سمي بالحكم الشيعي لا تزال محافظات الجنوب العراقي التي تسكنها غالبية شيعية أشبه بالمناطق المنكوبة، تضربها الفوضى من كل جانب ويعيث فيها المسلحون فسادا. 

ولكن ذلك كله لا يعد من وجهة نظر قيادات الأحزاب الدينية فشلا. 

فما تخطط له الأحزاب الدينية شيء وما يرنو إليه الشعب شيء آخر. 

لقد اعلت الأحزاب الدينية (الشيعية) من شأن منطق الغالبية الطائفية على حساب منطق الغالبية السياسية وهي تخطط لكي تكون تلك الغالبية مادة لحروبها المذهبية. 

وإذا ما كانت تلك الأحزاب قد انتهزت فرصة جهل المواطنين الشيعة وكراهيتهم للنظام السابق لكي تستعملهم سلما للوصول إلى السلطة فانها كانت صريحة في عدم طرح أي مشروع سياسي يتعلق باعادة بناء الدولة على اساس المواطنة الحقة، البعيدة عن التجاذبات الطائفية. 

لا تعد الأحزاب الدينية بحياة أفضل إلا في الآخرة. 

يصح هذا الحكم على الجميع، بغض النظر عن المذهب. 

ألا يعني ذلك في حالة العراق أن العراقيين الذين رفعوا أصابعهم البنفسجية فخرا قد ساهموا في خديعة أنفسهم حين قرروا أن يكونوا عبيدا للعمائم السوداء؟

0 التعليقات: