سيذهب المالكي إلى النسيان غير أن جرح الفلوجة سيظل نازفا
سيذهب المالكي إلى النسيان غير أن جرح الفلوجة سيظل نازفا
عراق العروبة
فاروق يوسف
مثلما لم ينتصر الاميركان في هيروشيما عام 1945 فانهم لم ينتصروا في الفلوجة عام 2004 أيضا. في الحالين فان ما فعلوه كان قد اتخذ ابعادا تتخطى بمعانيها المؤلمة بل والمأساوية حدود النزاع الحربي .
كانت هناك وصمة عار، ستنظر إليها البشرية ما حييت بذعر وفزع. لن يكون الاعتذار كفيلا بمحو تلك الوصمة، فالضحايا لن يكفوا عن الأنين بين صفحات التاريخ والمشاهد الفجائعية ستلاحقنا جميعا، مَن ارتكب الجريمة ومَن كان شاهدا عليها على حد سواء.
يومها لم يكن انتصار اميركا العسكري مؤكدا، غير ان هزيمتها الاخلاقية كانت مؤكدة .
غير أن ذلك لا يكفي لوصف المأساة. فما لم تتحمل البشرية مسؤوليتها إزاء الضحايا، فسيكون في إمكان اشتراكها في الجريمة عن طريق الصمت أن يوسع من حجم المأساة .
لم تتبرأ اليابان من مسؤوليتها الأخلاقية فكان لهيروشيما (ناكازاكي أيضا) ذلك الحضور المهيمن في كل حيز يتحرك فيه الضمير العالمي لنصرة الضحايا . لقد وضع اليابانيون مدينتيهم المبادتين في صدارة اسباب الشقاء الإنساني . لكي لا ينسى أحد فساد القوة العسكرية حين تتخلى عن الأخلاق .
ما فعله اليابانيون لم يفعله العراقيون، مع الاسف .
مهما قيل من ذرائع فان صمت العراقيين عما جرى في الفلوجة لم يكن مبررا، بل كان في حد ذاته جريمة، قد تكون بحجم الجريمة الاميركية. ولم تكن عشر سنوات من الاهمال الذي مارسته الحكومة العراقية في حق الفلوجة إلا دليلا على روح التواطؤ التي كانت عنوانا لطريقة النظر العراقية الباردة إلى تلك الجريمة.
كانت الفلوجة تُعاقب في كل لحظة اهمال، في الوقت الذي كان يجب فيه أن توضع في المكان الآمن والمطمئن الذي سيكون في إمكانه أن يخفف شيئا من المها.
لا يتعلق السلوك الحكومي بنهج رئيس الوزراء نوري المالكي الطائفي وحده، بل هو أيضا جزء من سياسة عامة اتبعتها الحكومة العراقية، وهي تحرص على أن لا تخرج عن السياسة التي انتهجها المحتل حين صنف العراقيين إلى معاد وموال، تبعا لموقفهم من الاحتلال .
ولأن الفلوجة كانت معادية للمحتل فقد وضعتها الحكومة العراقية في مقدمة أعدائها، فصارت تمارس على سكانها مختلف صنوف القمع والإفقار والاضطهاد والعزل والابعاد والاقصاء، وصولا إلى تصنيفهم ارهابيين يحق للاجهزة الامنية أن تعتقلهم في أية لحظة من غير أن تكون ملزمة بتقديم الاسباب أو احالتهم إلى القضاء .
لقد صنعت الحكومة العراقية من خلال سلوكها غير الوطني المشوب بنزعة طائفية من الفلوجة بيئة معادية. وهو ما كانت تسعى إليه .
ولان أهالي الفلوجة كانوا قد أفشلوا طوال السنة المنصرمة مخططات الحكومة تلك من خلال اعتصاماتهم السلمية المطالبة بحقوقهم المدنية فقد كان ضروريا بالنسبة إلى الحكومة أن تدفعهم إلى حمل السلاح .
كان المالكي يفكر في آخر حروبه قبل أن تُنزع منه السلطة، فيما كان الفلوجيون يفكرون في حقوقهم الوطنية المضاعة. ما بين الاثنين كان هناك شعب صامت. وهو أمر لن يغفره التاريخ للعراقيين .
أيُلام المالكي وحده بسبب طيشه وبحثه عن امجاد فارغة لن ينال بسببها إلا العار، أم يوجه اللوم إلى شعب، تخلى بمحض ارادته عن إنسانيته (الحديث عن الشعور الوطني هنا لن يكون نافعا) وهو يرى مئات الالوف من البشر يهجرون مدينتهم بعد أن وضعهم المالكي وأعداؤه المنتحلون في الارض الحرام ؟
سيذهب المالكي ومعه داعش (هل هي موجودة فعلا؟) إلى النسيان، غير أن جرح الفلوجة سيظل نازفا. وسيكون عارنا في الفلوجة في صدارة أسباب شقاء أجيالنا القادمة .
ربما ستغطي جريمتنا على الجريمة التي ارتكبتها القوات الاميركية .
0 التعليقات: