أخر الأخبار

.

بالاحضان بالاحضان مقتدى (اقتحم) الخضراء !

بالاحضان بالاحضان مقتدى (اقتحم) الخضراء!


 عراق العروبة 
هارون محمد

لم يكن الاستقبال الحار الذي أبداه ضباط القوات العسكرية المكلفة بحماية المنطقة الخضراء واحتفائهم بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وهم يفتحون له ابوابها الموصدة وتقبيل يديه ورأسه وعمامته مفاجأة لمن يتابع الاحداث السياسية ويرصد حركات لاعبيها الاساسيين الذين وان اختلفوا في بعض المواقف وخصوصا عندما يتعلق الامر بمصالحهم الشخصية والحزبية والطائفية، الا انهم سرعان ما يتآلفون ويصطفون في موكب واحد.

ولعلها من المفارقات الغرائبية ان يوصف دخول مقتدي وفتح بوابة المنطقه الخضراء امامه وأداء الضباط الكبار التحية العسكرية له واحاطته بالرعاية والاهتمام وتأمين راحته بانه عملية (اقتحام) حتى وصل الحماس بعدد من مذيعي الفضائيات الى اطلاق تسميات مبالغ بها في وصف المشهد وكأنه (فتح الفتوح) او مقدمة لثورة شعبية ستقذف باللصوص والمفسدين الذين يتمترسون في المنطقة المحمية الى خارجها دون ان ينتبهوا لانهم مجرد أدوات وببغاوات ان اقتحام المكان شيئ والدخول اليه شيئ آخر.

وعموما.. فقد فتحت الابواب برحابة لدخول مقتدى الى المنطقة الخضراء واحتفي به بمهابة من قبل حراسها واتخذ مكانه في خيمة زاهية الالوان يحف به مساعدوه ويقف خارجها ضباط الحكومة برتبهم العالية واسلحتهم المخيفة وهواتفهم النقالة زيادة في حمايته، واعلن الرجل انه معتصم ولن ينهي اعتصامه الا بعد ان يعلن (العاصي) حيدر العبادي التزامه ببرنامج اصلاحات الصدريين الذي صاغته مجموعة من العجزة وطلاب الجاه والمغمورين سياسيا وهو برنامج لمن يتمعن فيه جيدا لا بد ويكتشف انه موضوع إنشاء قد يصلح لطلبة المدارس، لانه مجرد كلام مرسل وتمنيات مفرطة يمكن الثرثرة بها في المقاهي لقتل اوقات الفراغ.

وعندما نقول ان قادة الاحزاب الدينية بشقيها الشيعي والسني لا يصلحون لقيادة بلد مثل العراق له خصوصيته الثقافية والسكانية والتاريخية والمناطقية ايضاً والغالب من شعبه مؤمن دينياً وليس متديناً، اضافة الى وجود أعراق وفرق وجماعات لها هويات وطبائع وسمات خاصة بها، فاننا لا نظلم او نتجنى على تلك الاحزاب المنغلقة فكريا والغارقة في نزعتها المذهبية والطافحة في اهدافها الطائفية ومن الصعب تأهيل اولئك القادة حتى لو حصلوا على أعلى الشهادات الدراسية من ارقى الجامعات ليكونوا حكاما نزيهين لانهم لا يستيطعون مغادرة افكارهم الراسخة في ادمغتهم المحنطة ولا يقدرون على التخلي عن معتقداتهم المعشعشة في رؤوسهم والمخزّنة في نفوسهم وقلوبهم.

ومقتدى الصدر واحد من هؤلاء مهما قيل فيه من عبارات الثناء على وطنيته الشبحية وكيل المديح لمواقفه السياسية التي ثبت انها تفتقر الى الثبات وتتقاذفها الاهواء والاغراض، فهو لا يختلف عن نوري المالكي وابراهيم الجعفري وعمار الحكيم وحسين شهرستاني وهادي العامري وحيدر العبادي من القيادات الشيعية واياد السامرائي وسليم الجبوري وهما ابرز قياديي الحزب الاسلامي  (السني) الا في بعض القضايا الغير الجوهرية وخصوصا في ما يتعلق بالمصالح الذاتية والحزبية، في حين يبقى سياقه العام منسجما معهم ولا يفترق عنهم، فمقتدى مؤيد للعملية السياسية منذ البداية وله حصة فيها وشريك في الحكومات المتعاقبة لا (يعوف) استحقاقاته منها رغم انه يستمر في توجيه انتقاداته سواء للعملية السياسية وشراكته الوزارية دون ان يبادر ويتخذ مساراُ واضحا وعملياً وهذا في الحقيقة موقف متذبذب في المفاهيم السياسية لا يمكن الركون اليه.

وخلال السنوات العشر الماضية على الاقل لاحظنا مقتدى الصدر وهو يدعم العملية السياسية العرجاء كما يسميها ولكنه ينخرط فيها بقوة ويهاجم الحكومات الفاسدة التي تولد من بطنها ولكنه يشترك فيها، والغريب ان وزراءه يتفوقون على الوزراء الاخرين في الفساد وهو يعرف ذلك غير انه يستمر في اضفاء حمايته عليهم ولم يتخذ اجراء عقابيا ضد احدهم الا في حالة بهاء الاعرجي ولكن بعد ان غادر منصبه الحكومي ولا نريد هنا أثارة المواجع عن سبب او اسباب العقوبة الاعرجية.

والسؤال الذي يطرح نفسه الان، كيف سينهي مقتدى الصدر اعتصامه المريح في المنطقة الخضراء او (الغبراء) كما يسميها ؟

العبادي سعيد جدا هذه الايام رغم الضغوط والمتاعب التي يتعرض لها لاعلان اصلاحاته التي صدع رؤوس العراقيين بها، لانه أثبت انه ديمقراطي جدا جدا ودليل ديمقراطيته الشفافة انه اوعز بفتح بوابات المنطقة الخضراء امام (السيد) وأمر عساكره باستقباله بالاحضان بالاحضان وأمرهم بتقديم تعظيم السلام له وتقبيله ولا يهم اين تقع قبلاتهم الحارة على يديه او وجنتيه او كتفيه رغم ان الاكثر ثوابا ان تكون القبلة على عمامته السوداء.

انها واحدة من انواع المكر الذي يتقنه الملالي ولعبة مفضوحة تنطلي على السذج وفقراء الوعي من جماعة (علي وياك علي).

الازمة التي يعيش تحت وطأتها العراق اليوم باتت اكبر من ان تحل باعتصامات متفق عليها او بوعود براقة او تصريحات رنانة تطلقها قيادات احزاب وكتل وتيارات ساهمت بفاعلية وتعمد في تخريب العراق وانحطاطه وتدهوره وفي مقدمتها حزب الدعوة وكل من آزره وعاونه وشارك في حكوماته ورضخ لاجندته.


ان الحل الحقيقي لانقاذ العراق من أزماته ووضعه على سكة السلامة وتأمين نهوضه لن يتحقق ما دام قادة الاحزاب الدينية سواء كانوا بعمامة سوداء او بيضاء او ببدلات اوربية واربطة باريسية يتحكمون بمفاصل البلاد، والشلع قلع تنطبق عليهم جميعا بلا استثناء.

0 التعليقات: