أخر الأخبار

.

جريدة ورقية بمقهى حسن عجمي



جريدة ورقية بمقهى حسن عجمي


عراق العروبة
علي السوداني







سأحدثكم الليلةَ عن جوق كائنات رائعة كانت تجلس بمقهى حسن عجمي الجميل ببغداد، والمشهور شعبيا بمقهى الأدباء، وسيكون المفتتح بواحد لطيف من كائنات المقهى، وقد دلفنا إليه مندهشين أغضاضا قبل منتصف الثمانينات بقليل، وكنا ساعتها نحبو على أول حروف قصيدة عرجاء مختلة الوزن، وقد حملناها بجيبنا كما لو أنها حرز دخول صوب عالَم الكتابة اللذيذ . 

هو رجلٌ طويل نحيف ستّينيٌّ كما بدا، يرتدي جاكيتا شتائيا ميتا وإنْ كان الوقت هو عزّ الصيف. إسمهُ قاسم وكنيته أبوالجرائد، منسوبا لمهنته التي لم يبدلها حتى نهاية مشوار عمره المتعب . كان يدخل المقهى صباحا ويقوم ببيع بضاعته الطيبة إلى الزبائن العاطلين، ثم يعود ثانيةً عند أول بيبان العصر، ليبيع جرائد أخرى لزبائن جدد أو ليستعيد ما باعه صباحا، بعد أن يكون الزبون قد انتهى من تفليس الجريدة حرفا حرفا، فيهبها لقاسم دفعة بلاء تشبه رغيفا مضافا، فيقوم الرجل الستيني العصاميّ المستقيم مثل حرف الألف، ببيعها لآخر غير مكترث بتسلسل الصفحات وتلوثها بقطيرات شاي العصاري .

ثاني هذه الكائنات الحلوة هو خضر وكنيته أستاد خضر الذي تدحرجتْ نقطته من فوق حرف الدال، تحببا وربما تندرا. لخضر المعطوبة بعض أسلاك دماغه قصة واحدة مكرورة، كان قد قصّها عليك البارحة وأعادها اليوم وسيسردها غدا بماعونك أو بماعون أيّ منصت صبور .

أستاد خضر كان عشق امرأة مذهلة اسمها سليمة حمام . لا أحد يعرفها من الأدباء المنصتين، لكنه يضيف أنّ حبيبته قد هاجرت إلى البصرة، وانه علم بأنها قد اشتغلت راقصة بملهى ليلي، وفي ذروة القصّ النبيل، سيدسّ الأستاد يده بعبّه وسيخرج محفظة صغيرة سوداء تخلو تماما من أي دينار، لكن فيها نومة مغناج لصورة سليمة حمام المفتقدة . خضر المستريب الشكّاك سيسألك إن كنت شفت أو شاكستَ عشيقته مرة، فإن أجبته بالنفي ارتاح وسكت وكفاك شرّ وشرار تأويلاته الجنسية القاتلة .

لدينا ثالث اسمه سعد الدين ودشداشته الوسخة. هادىء ولا يخلف ضجيجا، كأنه مثل نملة تدبّ في أرض يباب. سعد الدين يفهم في اللغة الإنكليزية أزيد من عشيرة بكلاريوسات . يدخل مقهى الضجيج ويحتسي شايه وهو على وقوف، ثم يقوم بتوزيع الابتسامات والجمل المعضوضة من نهاياتها على القوم الجالسين . يغادر المقهى مثلما دخله ، هادئا مثل طيف . 




0 التعليقات: