أخر الأخبار

.

متاهات التبسيط والتنميط 2




متاهات التبسيط والتنميط 2 




عراق العروبة
صلاح المختار *





دائماً اكره الخطأ ، لكن لا تكره المخطئ 


الامام الشافعي 


لفت نظر: هذه الدراسة كتبت وارسلت لجريدة القدس العربي التي نشرت مقال السيد عبدالحليم قنديل ردا على طروحاته لكن الصحيفة لم تنشر الرد وانتظرت اكثر من ثلاثة اسابيع املا نشره لكنها مع الاسف لم تنشره والرد بالنسبة للصحافة الحرة حق مشروع في الاعلام الذي يؤمن حقا بحرية الرأي ويمارسها فعلا لا قولا او بصورة انتقائية، لذلك اقتضى نشر هذا التوضيح . 



صلاح المختار 

ولتأكيد ما تقدم علينا ان نسأل : من ابتدع مصطلح الهولوكوست مصطلحا وممارسة الشرق الدموي ام الغرب المتحضر؟ من المسؤول عن الحربين العالميتين الاولى والثانية التي قتل بسببها اكثر من 120 مليون انسان؟ من اباد 112 مليون من الهنود الحمر، طبقا للكاتب الامريكي الاستاذ منير عكش، بلا مبرر او سبب منطقي سوى الرغبة في ابادة الملايين ؟ هل هم شرقيون ام اوربيون غربيون اصلاء هاجروا الى امريكا وهناك لم يتحملوا وجود بشر اخرين معهم في نفس القارة فابادوهم بلا رحمة وبتلذذ لم نراه الا بعد غزو العراق على يد امريكا وبريطانيا وميليشيات اسرائيل الشرقية وخصوصا بعد عام 2011 وعلى يد من دربتهم المخابرات الغربية ؟ 

ان قطع الرؤوس لم تدشنه في العصور الحديثة داعش ولا القاعدة بل الفرنسيين في الجزائر وقبلهم الاسبان في الاندلس، والاوربيون في شمال امريكا حيث كانوا يعطون جوائز لمن يجلب فروة رأس الهندي الاحمر وكان عدد من يقتل من الابرياء السكان الاصليين لامريكا يزداد لضمان جوائز اكثر وهو ما ادى الى ابتداع مصطلح (صائد الرؤوس)! واذا كانت القاعدة وداعش تتفننان في اساليب القتل فان معلمهم الاقدم كان اوربا حيث ان اسبانيا كانت تقطع جسد العربي والمسلم بالمنشار وهو حي ! 

وهناك صور منحوتة في اوربا لتلك الجرائم البشعة التي تؤكد عبودية الاوربي لقوة الحافز الدموي ونزعة الاستبداد المطلق الذي يجعله يبيد الاخر بلا رحمه وهو استبداد اعنف واقسى بما لايقاس من الاستبداد الصحراوي والذي تركز على الانفراد بالحكم غالبا واقترن غالبا ايضا وفي صورته الصحراوية بالحرص على ادامة الحياة من خلال المركزية الشديدة في بيئة معادية وخطرة وهي بيئة الصحراء فالعنف وسيلة للصحراوي وعندما يسيطر يكف عنه ويتحول الى الرفق بالمهزوم، بينما اوربا وامريكا لاتكتفيان بالحاق الهزيمة بالعدو فقط بل تواصلان عمليات تدميره اعتباريا –بشيطنته - وجينيا كما رأيناه في العراق الملوث باليورانيوم المنضب والتدمير المتعمد للبيئة والقضاء على الزراعة الطبيعية وفرض شراء البذور من شركة مونسانتو . 

ما يحدث في الوطن العربي خصوصا في العراق لم يكن ثمرة دموية العراقيين ولا استبداد العرب كما يصورها الغرب بل انه ثمرة التخطيط الغربي والصهيوني بما في ذلك فرض وادامة الاستبداد في الحكم، فغزو العراق مثلا وهو ما يعترف به السيد قنديل كان نتاج تخطيط امريكي تفصيلي والتنفيذ امريكي بريطاني وبمشاركة ايرانية مباشرة ورسمية وباستخدام ادوات عراقية، اذا: الاصل والبداية هي عنف الغرب والذي انتج رد الفعل الطبيعي وهو العنف العراقي والعنف الفلسطيني والعنف الجزائري لمقاومة الاحتلال . 

هل انتبه السيد قنديل لهذه الحقيقة ووضعها في مكانها الطبيعي عندما تناول دموية العراقي ؟ ام انه تجاهلها وهو يعرفها ولا يجهلها بينما ركز بصره ووعيه على العراقيين ؟ وهل يجوز اهمال كل تلك العوامل والتركيز على فكرة دموية العراقيين وغريزة القتل لديهم وكانهم انفردوا من بين كل شعوب الارض بنزعة دموية متجاهلا انها حالة بشرية طبيعية مع ان ذلك احد اهم شروط شيطنة العراقي تمهيدا لابادته؟ عندما تعرض الانسان للموت والتحديات المصيرية، فانك تجبره على الاستعداد للقتال والبحث عن اكثر الطرق فعالية دفاعا وهجوما في منع ابادته . 

غزوات الفرس والتتار بشكل خاص وقبلها غزوات كافة الاقوام التي احتلت العراق بصفته بلد تخوم تجاوره اقوام غير عربية لها مطامع او ثأرات مع العرب ادت الى اندلاع الحروب مرارا، والتي كانت دموية بتطرف صارت فيها بغداد مقبرة جماعية تهجر لشدة روائح الاف الجثث المتعفنة فنقلت العراقي الى حالة الاستعداد للقتال وممارسة العنف وذلك هو اصل ظاهرة العنف في العراق . 

وحديثا فرضت اسرائيل الشرقية اقسى حرب على العراق دامت ثمانية اعوام، وقبلها نفذ الغرب (بريطانيا ثم امريكا) عدة خطط معادية للعراق، وكان الحصار الذي حرم العراقيين حتى من حبة الدواء والغذاء تجربة بالغة القسوة ثم توج بغزو مورست فيه اشد انواع السادية مثل جريمة ابو غريب وقتل العراقيين من اجل التسلية وهي ظاهرة غربية صرفة في ممارسة القتل على يد الغربيين وكل ذلك مسجل بافلام تبدو كالعاب الفيديو!!! تلك الممارسات ادت الى فتح (صندوق باندورا) العنف في العراق كما فتح قبل ذلك في اوربا وامريكا الشمالية والجنوبية. 

فهل يتوقع احد غير ان يتحول العراقي وكل من يتعرض لمثل هذه التحديات الى انسان شرس ؟ 

والشراسة والدموية هنا اذا ليست سمة عراقية بالاصل وانما بالبيئة والان يقدم لنا الواقع العربي والدولي والاقليمي صورا مختلفة لدموية الانسان وتحكم غريزة الابادة وليس القتل فقط فيه، ولعل القاتل الاخطر والاشد وحشية الان ليس شرقيا بل هو غربيا، فامريكا وكما يعترف السيد قنديل هي التي خططت لما يجري في العراق الان واضيف ان ما يجري الان هو ثمرة تخطيط عمره اكثر من قرن ووضعته الصهيونية في مؤتمرها الاول في عام 1897 عندما اختارت (فلسطن وطنا لليهود) فكان طبيعيا ان تضع خطط تدمير الاقطار العربية وتقسيمها ونشر الفتن الطائفية فيها كوسيلة لاقامة الكيان الصهيوني وضمان ديمومته. الا يعرف السيد قنديل هذه الحقيقة؟ واذا تذكرها هل يستطيع ان ينكر اهم الحقائق المتعلقة بها وهي ان العربي وضع امام موت متدرج ولكن متعاظم مكانيا وزمانيا، فأجبر على التحول من انسان عادي مسالم الى انسان عنيف؟ 

كما ان ما يسمى ب(الحرس الثوري الايراني) و(فيلق القدس) الايراني وما انشأه من تنظيمات ارهابية تابعة لاسرائيل الشرقية وفي مقدمتها الحشد الشعوبي هي التكملة الطبيعية لما اسسته المخابرات الغربية خصوصا وان ملالي قم وطهران عرف عنهم انهم ادوات المخابرات البريطانية بالاصل ومنهم خميني والذي كشف مؤخرا عن مراسلاته مع رؤوساء امريكا من جون كنيدي الى كارتر . هذه الميليشيات الدموية الايرانية ومسلسل الحروب التي تشعلها المخابرات الغربية تنتج عنفا معاكسا، فكلما خف التحدي والخطر تراجعت نزعة العنف وتعاظمت نزعة السلام والتعايش، وهذا من ابرز القوانين الغريزية المتحكمة بالانسان . 

فلم يركز السيد قنديل على العراقيين فقط في لصق تهمة الدموية والعنف فيهم ويتناسى غيرهم وغيرهم هذا هو المصدر القديم والحديث للعنف العراقي بشكل خاص والعنف العربي بشكل عام ؟ واذا كان السيد قنديل يبحث عن الحقيقة فليفسر لنا لم تحول السوري والمصري والليبي منذ عام 2011 الى انسان يستخدم العنف بشكل متصاعد ومتوسع مثل العراقي؟ الم يكن السوريون مثالا للمسالمة وتجنب العنف ؟ 

اذن كيف تحول السوري الى اداة للقتل منذ حكم حافظ اسد في مجازر حماة والتي دشنت عصر تحول السوري من انسان مسالم الى انسان عنيف لا يقتنع الا بازالة الاخر وتبلورت هذه السمة منذ عام 2011؟ الم يكن المصري كالسوري مسالما لا يلجأ للعنف مقارنة بالعراقي مثلا لكنه الان يسفك الدماء في سيناء ويقطع الرؤوس وهي رؤوس مصريين مثله فالتحق المصري بالعراقي في ممارسة لغة الدم وبنفس المستوى النوعي؟ هل نسى السيد قنديل مجازر ارتكبت في مصر بعد عام 2011 وهي غريبة على النسق السلوكي المصري؟ الا يرى السيد قنديل بان مصر تتجه بصورة متزايدة نحو مرحلة انخراط اعداد اكبر من المصريين في صراعات دموية مثلا تفجير الكنسية القبطية بعملية انتحارية ؟ 

الغرب هو مؤسس ظاهرة ابادة الطرف الاخر وليس نحن وكل الوقائع الميدانية تؤكد هذه الحقيقة التاريخية الحديثة، والدسائس والتأمر المخابراتي، وهو موضع فخر بريطانيا وامريكا واسرائيل الغربية، من اهم واخطر ممارسات مخابرات الغرب بحيث تبدو دسائس العرب مقارنة بها ساذجة وبسيطة، بل ان الغرب هو المغذي الرئيس والمديم لظاهرة ابادة الاخر بلا رحمة وتجنب اي حل تصالحي ولعل ما يجري في العراق وسوريا وليبيا واليمن اخر شواهد هذه الحقيقة حيث يقف الغرب وباصرار رسمي وواضح مانعا الحل السلمي ومغذيا الحروب كلما وصلت لمرحلة الانطفاء، وهو نفسه من ادام الحرب التي شنها خميني على العراق ومنع ايقافها . 

اما اسرائيل الشرقية فهي بـتأثيراتها اقدم واخطر من دور الغرب بكثير فالقبائل الفارسية البدائية وقبل الاف السنين كانت تعتبر غزو وادي الرافدين هو الحل الوحيد لمشاكلها الجيوبولتيكية وفي مقدمتها شحة المياه وقلة الاراضي الزراعية فالفرس موطنهم الاصلي هضبة جرداء مفتقرة للماء والارض الصالحة للزراعة والف شاه ايران بعد اسقاطه كتاب (رد على التاريخ) يقول فيه بان احدى اهم مشاكل ايران نقص المياه والاراضي الزراعية واذا توقف المطر لسنتين متتاليتين اصيبت ايران بقحط ومجاعة كبيرتين. هذه النواقص في بنية بلاد فارس اجبرت القبائل الفارسية البدائية قبل الاف السنين على التوجه الى العراق لحل مشاكلها الجيوبولتيكية المشار اليها لان العراق فيه نهرين عظيمين واراضيه كلها صالحة للزراعة لهذا فالغريزة كانت المحرك الرئيس لتلك القبائل لغزو العراق . 

والصراع على البقاء بين القبائل الفارسية وشعب العراق والذي استمر الاف السنين ولد لدى الطرفين نزعات عنف متطرفة فالفارسي يريد البقاء عبر غزو العراق والعراقي يريد البقاء عبر طرد الغازي الفارسي، وهذا هو مفتاح فهم الاسباب الحقيقية للصراعات العراقية الفارسية عبر الاف السنين، ولعل ابرز شواهدها غزو بابل وتدميرها من قبل امبراطور فارس كورش تحت غطاء انقاذ اليهود من الاسر البابلي. ان العنف المتطرف في العراق والمنطقة المحيطة به اشتد وتعاظم مع وصول خميني للحكم وتبنيه لشعار نشر (الثورة الاسلامية) بالقوة وعبر اسقاط الانظمة واختار العراق وليس غيره ليكون الهدف الاول لنشر ثورته وكان ذلك هو السبب الرئيس لاندلاع الحرب بين الطرفين وما تبعها من استيقاظ الحوافز الغريزية لدى الطرفين وانتشار هذه الحوافز في كل قطر وصل اليه النفوذ الايراني حتى في دول الخليج العربي والتي كانت تبدو ابعد ما تكون عن ممارسة العنف . 

ومن يريد ان يفهم لم تتميز الشخصية العراقية بالصلابة والتي تفضي للقسوة في حالة الازمات الساخنة عليه اولا ان يبحث في التاريخ والجغرافيا وتأثيراتهما على الواقع الحالي لا ان يلجأ الى عمليات تبسيط وتنميط شكلية متبعا اساليب الغرب التي تقوم على التزوير وتشويه الفهم وترويج مفاهيم تدين الضحايا وتبرأ الجلادين . 

اذا هذه القسوة جزء من ظاهرة عالمية بشرية وليست سمة عراقية او عربية فقط بل ان العرب مقارنة بالاوربيين والامريكيين اقل قسوة بكثير واكثر رحمة ممن يبيد الملايين بالقتل الجماعي سواء بالرصاص او التجويع او القنابل الذرية ونحن واليابان والهنود الحمر ضحايا نزعة ابادة الاخر التي ظهرت في الغرب في القرون الوسطى .

ولو قارنا مصر وما تعرضت له عبر التاريخ نصل الى استنتاج واضح وهو ان جغرافية مصر حمتها من التطرف في ممارسة العنف فجيرانها افارقة بسطاء والبحر يفصل العرب عن اوربا وهو عائق امام التوسع الاستعماري مقارنة بتجاور اسرائيل الشرقية مع العرب مثلا، وهذا ما قلل تعرض مصر تاريخيا للغزوات مقارنة بالعراق، فماذا تتوقع من العراقيين بعد الاف السنين من التعرض لاقسى اشكال التعذيب والابادة والقتل والغزو؟ ولم تتجاهل ان مصر تعرضت لعدة سنوات وليس لعقود من العنف فتحولت من المسالمة الى الوحشية والدموية وهو ما نراه الان ؟ 

عندما نكرر اطروحة ان العراقيين بطبعهم دمويين وانها ميزتهم عن غيرهم نقع في فخين قاتلين فخ التنميط والتبسيط الواضحين لظاهرة تحتاج لفهم تاريخي وجغرافي ونفسي عميق ، وفخ ترويج واحدة من اخطر الدعايات الغربية الصهيونية والتي وضعت لتبرير غزو الاقطار العربية وابادة العرب وهي وصف العرب بالمتوحشين والقتلة الذين لا يحترمون الروح الانسانية وتمترسهم خلف نزعات انانية تبيح القتل دون رحمة ، وهذه الدعاية واضحة وتستخدم كسلاح فعال لتحشيد جماهير الغرب ضد العرب وتبرير غزو اقطارهم وتدمير حياتهم ومجتمعاتهم وتهديم انجازاتهم العلمية والتكنولوجية وهي تتنامى كما حصل في العراق منذ فرض اسرائيل الشرقية للحرب عليه، فلكي تبيد الملايين من شعب ما عليك اولا ان تشيطنه امام شعبك كي يقف معك وينخرط في جيوشك ويدفع الضرائب لتمويل حروبك. فهل يدرك السيد قنديل ان تكرار هذا الطرح حول طباع العراقيين يبعد الانظار عن الجرائم الحقيقية ويخفي الجلاد الحقيقي وهو قلب كل دعاية معادية ؟ 

*مفكر عراقي


يتبـــــــــــــــع .



0 التعليقات: