بقايا من طعم رمضان
بقايا من طعم رمضان
عراق العروبة
علي السوداني
لم تكن الأيام العتيقة أياما جميلة حقا . لقد صارت الآن بطعم الشهد لأن ساعاتنا القائمة هي ساعات غبراوات سخماوات سود فحماوات، ما مررنا بها من قبل والبشائر كلها تقول لك إنَّ القادم لهو أسوأ وألعن وأقسى .
لدينا اللحظة حياة إلكترونية يابسة متصخرة غليظ قلبها، لم يبقَ من قوس تصبّرها غير لعّابة كانت جدتي تسميها لعّابة الصبر، وهذه قد ماتت مع موت فجريّ بعيد .
رسائل الحب والعيد والمواساة صارت جافة وجاهزة مثل أكلة سريعة، أو دعاء رمضاني طويل يحطّ بجوف بريدك الفيسبوكي المكتظ بالمنغصات المقززات الفائضات، ويريد منك صاحب رسالة الدعاء والغفران هذه، أن تعيد إرسالها وتعميمها وترويجها بين عشرة من صحبك الإلكترونيين .
فإن فعلت ونفذت فرزقك غدا سيكون وفيرا، وفراشك سيغدو وثيرا، وقد تتخبّل وتتمعمع ابنة دونالد ترامب إيفانكا الرائعة فتخلع زوجها وجه المخنث، وتطلب يدك زوجا على سنّة الناس في بلادك وبلادها، وإن حرنتَ وعاندتَ ولم ترسل الرسالة المبروكة إلى حشد من أهلك وربعك، فعليك أن تستقبل بعد غد مصيبة كبرى ونطحة حياتية عظمى، تشبه رفسة ثور ضخم ثنّى عليها بغرزة قرنين حادين ثائرين، بعد أن صيره مصارع مجنون فرجة مدفوعة الثمن بحلبة موت إسبانية مهينة .
ثم ستشيلك قدماك المشّاءتان صوب ديوان عزاء طويل، وقبل أن تؤذن في الناس لقراءة الفاتحة، سيكون عليك أن تصافح تسعين نفرا منهم وقد تخسر بعض عظام كفك من قوة المصافحة، وربما تطور الضرر فأصاب العظمة المنزلقة التي تربط أعلى كتفك بأول عظم الترقوة، ثم تجلس فوق كرسي فائض مزروع في مفتتح الصالة، حتى يظن زبائن العزاء الجدد أنك من أهل الميت المقربين، فيواسيك الداخل بسبع بوسات ويمطرك الخارج بتسع .
في تلك الدقائق الحسوم من عمر النفاق المعلن، سيكون بمقدورك أن ترى إلى القوم وهم على أقسام وأجسام مختلفة ألوانها وأحجامها، فمنهم من يلوك الكلام الجاد مع جاره في الجلسة، ومنهم من رفع صوته في مديح الميت وتعداد خصاله التي أشهرها وأطيبها تلك التي كانت تتحدث عن معاونته في مسألة توظيف جارته السمينة بمنصب زعيمة لجنة مراقبة وفحص طعام وزقنبوت رئيس الجمهورية .
القنابل التي تنفلق على شاشة أخبار الليل والنهار وما بينهما كثيرة، والشاعر الكبير الذي سيموت الآن، لن يجد من يبكي عليه بعد أن صار الموت ضيفا غير ثقيل بقوة العادة، فهل بقي للولد البطران علّوكي، كمشة حروف تُسبب الضحكَ وتُنتج الأمل ؟
0 التعليقات: