أخر الأخبار

.

مأزق العملية السياسية في العراق: حرب الكل ضد الكل



مأزق العملية السياسية في العراق : حرب الكل ضد الكل




عراق العروبة
سلام الشمــــاع


عمان - يعاني المشهد السياسي العراقي من ارتباك واختناقات تزيده التباساً وتعقيداً لصعوبة إدراك واقعه، ويتجسد ذلك، بنحو واضح، في مأزق الأحزاب الشيعية الكبرى، التي تبدو عاجزة عن التجدد على الرغم من مناوراتها من خلال دعواتها إلى التسوية التاريخية والأغلبية السياسية وبناء تحالفات غامضة مع بعض القوى السياسية .


إصرار إيراني على عرقلة أي تقدم في العملية السياسية العراقية

يرى المحلل العسكري والاستراتيجي اللواء هاشم السامرائي خلال حديثه لـ”العرب” أن “العائق الأكبر الذي يواجه القيادات الشيعية والسُنيّة التقليدية، على حد السواء، بمن فيها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، هو ما يتعلق بخطط ميليشيات الحشد لحكم العراق بعد الانتهاء من الحرب على داعش”، مشيراً إلى أن “التحرك العلني لهذه الميليشيات لخوض الانتخابات البرلمانية، في مسعى منها لنيل منصب رئيس وزراء العراق الذي يرنو إليه هادي العامري وأبومهدي المهندس”.

ويتابع “أن المالكي، المستظل بالميليشيات الإيرانية والذي يطرح نفسه كمؤسس للحشد الشعبي، لم يتورع عن مغازلة واشنطن، كي يعود مجدداً إلى سدة الحكم، عارضاً عليها رسائل مفادها إنّ مخاوفه من هذه الميليشيات لا تقلّ عن المخاوف الأميركية منها، مبلغاً الأميركيين استعداده لضرب الفصائل الموالية لإيران في العراق وحتى ضرب مصالح إيران المباشرة في العراق، إذا ضمن دعم واشنطن لعودته إلى رئاسة الحكومة”.

خطط الميليشيات

تمتلك ميليشيات الحشد الشعبي جناحين، وقد تسبب موقف بعض قياداتها، الداعي إلى المشاركة في الانتخابات المقبلة، والدفع بشخصيات تكنوقراط مرتبطة بالميليشيات في حدوث شرخ داخلها، إذ يرفض المحسوبون على المرجع الديني الأعلى آية الله السيد علي السيستاني الزج بالحشد في الحديث عن الانتخابات والصراعات السياسية، التي تعصف بالبلاد .

معلوم أن ثمة خلافات بين الأكراد وبين الشيعة وبين العرب السنة المعارضين للنفوذ الإيراني وبين الشيعة الموالين لإيران، لكن الخلافات الشيعية- الشيعية تشكل مأزقاً كبيرا للوضع السياسي العراقي، فالخلافات على أشدها بين العصائب والصدريين، والحرب الباردة بين مقتدى الصدر وبين قيس الخزعلي تجعل العراقيين يستحضرون مسلسل التصفيات الجسدية بين الطرفين من خلال العبوات اللاصقة والاغتيالات بالأسلحة الكاتمة للصوت، والاشتباكات المسلحة في بغداد وبابل والناصرية بين معسكري الصدر والخزعلي خلال السنوات الماضية .

وأطلق التيار الصدري العشرات من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، غالبيتها تحمل أسماء وهمية، في حملة واسعة تضمّنت وقائع وأحداثاً وفي بعض الأحيان تسجيلات وصوراً لجرائم ارتكبتها العصائب، كالسرقة والقتل والاغتصاب والسطو المسلح والابتزاز والتطهير الطائفي، فيما شنت العصائب حملة مماثلة لكنها لم تصمد أمام الآلة الإعلامية للتيار الصدري .

ويعتقد السامرائي أن الوضع الأمني المتدهور ناجم عن خروقات تنظيم داعش، فضلاً عن انتشار المافيات والعصابات المسلحة في مدن العراق، ولا سيما البصرة وبغداد، أدت إلى تعقيد الوضع السياسي العراقي وتعميق مأزقه، بخاصة أن هناك من يرى أن الميليشيات المرتبطة بإيران تتعمد زعزعة الأمن الهش، بغية تحقيق مكاسب جديدة لها، تتمثل في تسلم الملف الأمني ببغداد حصراً للعمل على إفراغها مما تبقى من العرب السنة تنفيذاً لأجندة إيرانية بدأها المالكي في ولايته الثانية ولم تستكمل إلى حدّ الآن . 

وتبدو قضية تأجيل الانتخابات البرلمانية المزمع إقامتها في أبريل 2018 وتشكيل حكومة طوارئ برئاسة حيدر العبادي، معضلة أخرى تهدد الوضع الأمني الهش في العراق، مثلما تهدد العملية السياسية برمتها، على الرغم من أن ثمة قوى سياسية سنية وشيعية وكردية، أبرزها مقتدى الصدر ومسعود البارزاني وحيدر العبادي، تدفع باتجاه تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة تصريف أعمال ومن ثم حكومة طوارئ تعمل لتهيئة الأجواء للانتخابات وتحديد موعدها .

انتقادات شيعية للعبادي

تشترط بعض الكتل السنية، في حال عدم عودة النازحين إلى مناطقهم، تأجيل الانتخابات البرلمانية إلى حين تأمين المحافظات الغربية وعودة كل المواطنين، لكن سُنّة إيران يوالون الميليشيات المتنفذة ويصطفون معها في الإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، محتجين بأن تأجيل الانتخابات مخالفة دستورية، على الرغم من أن المواد الدستورية، 72 و65 و46/ ثانيا، لم تحدد مدة حكومة تصريف الأعمال التي ستعتمد عليها الكتل السياسية التي تتبنى التأجيل أو الرافضة له.

ويقول السامرائي، وهو الناطق الرسمي باسم الجبهة الوطنية العراقية المعارضة، إن محاولات العبادي الرامية إلى تقريب مواقفه، أكثر فأكثر من واشنطن تثير غضب عناصر جناح إيران في البرلمان العراقي وكذلك الميليشيات الموالية لها .

وبدأوا يروجون عبر منصاتهم الإعلامية المتعددة معلومات مفادها أن "قضية حكومة الطوارئ هي رغبة أميركية سعودية إماراتية، الهدف منها الإبقاء على العبادي في الحكم".

وتزامنت هذه الهجمة الإعلامية مع الإعلان عن زيارة العبادي للسعودية، في إطار مساع إقليمية لبحث الوضع على الساحتين العراقية والسورية، وتعزيز العلاقات الثنائية بين الطرفين من خلال إنشاء مجلس تنسيق مشترك وتأمين الحدود بين البلدين بعد انهيار تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الموصل، وتجاوز مخلفات توتر ساد العلاقات بين الطرفين، عقب زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للعراق أواخر فبراير الماضي، ولقائه العبادي وكبار المسؤولين العراقيين .

تلتها زيارة وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، أواخر يونيو الماضي، إلى بغداد والتي بحث خلالها مع الحكومة العراقية الوضع في سوق النفط ومسألة تمديد اتفاق خفض الإنتاج، فضلاً عن مواقف العبادي من دول الجوار العربية .

ويضيف السامرائي “أن الخطوات التدريجية، التي يتخذها العبادي من دون ضجة، ضد عناصر محسوبة على إيران أو المالكي، مثل إبعاد قائد الفرقة السادسة في الشرطة الاتحادية، اللواء حيدر المطوري المقرب من السليماني، عن معركة الموصل، ورفضه الانصياع لرغبات مشعان الجبوري وشعلان الكريم بإقالة محافظ صلاح الدين أحمد الجبوري، سببت له مشكلات مع المالكي وحلفائه”.

وفي خضم ذلك يأتي إعلان رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني عن عزمه على إجراء استفتاء شعبي على استقلال كردستان، ليسبب نقمة شعبية وسياسية عصفت بالوضع العراقي الهش، وفككت التحالف المتين بين الشيعة والأكراد من جهة، وأثارت امتعاض العرب السنة والتركمان الذين يدركون أن البارزاني لن يتخلى عن كركوك، فاتفقوا على إقامة قواعد عسكرية في مدن الزاب والرياض وأم الخناجر والحويجة، تضم عناصر الفرقتين السادسة عشرة والتاسعة وجهاز مكافحة الإرهاب وفرقة التدخل السريع، لمنع ضم كركوك إلى إقليم كردستان .

وبينما كان مسعود البارزاني ينتظر أن يتوّج بطلا قوميا وأبا روحياً للدولة الكردية المنشودة، بإعلانه تحديد موعد الاستفتاء الشعبي لاستقلال إقليم كردستان، انهالت عليه الانتقادات من خصومه وشركائه السياسيين على حدّ سواء، وتحوّل الإعلان إلى جدل كردي كردي ومناسبة لإثارة ملفات الفساد والتعثر السياسي والاقتصادي والاجتماعي للإقليم تحت قيادة مسعود البارزاني، إذ تولى نواب حركة كوران وحزب الطالباني بمساندة النواب المقربين من المالكي حملة لإسقاط البارزاني وعائلته . 

ويقودنا ذلك كله إلى أن العملية السياسية في العراق تواجه مأزقاً كبيراً قد لا تجدي معه محاولات إنقاذها التي يبذلها الجميع، ومنها مؤتمر ممثلي السنة المزمع عقده منتصف شهر يوليو المقبل .

صحيفة العرب

0 التعليقات: