أخر الأخبار

.

سَجْعٌ في شمائلِ عليّ بن ابي طالب ( كرّم الله وجهه )


سَجْعٌ في شمائلِ عليّ بن ابي طالب ( كرّم الله وجهه )


عراق العروبة
كريم القاســــم




أُحارُ في وصفكَ وقد تَقدَمَني الواصفون ويَخشعُ المِداد وقد سَبقني الناثرون ، فكيف أذيعُ سجايا أنتَ أولها وكيف أصوغُ قلادةً أنتَ أوسطها وكيف أنثرُ مناقباً أنتَ خاتمها (1) ، وكيف أنعتُ مَنْ أنهَكَتْ شمائلهُ الناعتين وكيف أنحَتُ مَنْ أرهَقَتْ مناقبهُ الناحتين ، وهل يضلُّ الرَكبُ وأنتَ حاديه أم هل يَضعفُ الصَحْبُ وأنتَ ناديه (2) ، عذرا سيدي إنْ لمْ يُآزرني البيان والكلام الجَزْل فأمام عرشكَ يرتعشُ السَجْعُ وكلّ حروف الوَصْل ، ياقِبلةَ العاشقين ويا منارَ القاصدين ، عند بابكَ يَخنَعُ الملوكُ والأباطره وعند رفاتكَ يستكين الأعاظم ُوالقياصِره ، مِسكٌ يَضوعُ كُلَّما سُتِر ونورُ شمس ٍ مَزَّقَ السُتُر ، أَخفى فضائلَهُ الحاقدون وكَتمَ مآثرهُ الحاسدون ، فلم تَزَلْ مناقبهُ للظامئين سَبيلا ولم تَزلْ مكارمهُ للباحثين دليلا ، كَبشُ العراق حَمَلَتْ مناقبهُ الآفاق ، يفوحُ العلمُ من جوانحهِ ويفوعُ البأسُ من جوانبهِ (3) ، تاقَتْ لهُ الكعبةُ فهو وليدها وتفاخرَتْ وتهللَتْ بمُحطم ِ أصنامها ، لصيقُ الرسولِ وزوجُ البتولِ ، أَحَبَّهُ المؤمنون وأبغَضَهُ المنافقون ، غزيرُ الدمعِ قويُّ الرَدْعِ ، كريمٌ سَريّ (4) وَهوبٌ سَخيّ سَمِحٌ أَبيّ نَقيٌ تَقيّ ، فيّاضٌ جَواد كثيرُالرماد(5) ، مُتَصدّقٌ واهِب ورِعٌ راهِب ، خاشِعٌ عابد قانِتٌ زاهِد ، يرتدي من اللباسِ أًخشَنه ويأكل من الطعام أجشَبه (6) ، إن خالطَهُ الكَرى جعلَ من الترابِ وَساده وإن أدركهُ السُهاد شَرعَ للتبتُلِ والعباده ، حتى إذا شَدَّ الظلامُ أطنابهُ وتاقَ للتسبيحِ طُلاّبهُ ، إنزَوى عن كلِّ ماجاوَرَهُ والتَحَفَ الليلَ وديجورَهُ ، واستكان لربهِ بخشوع وفاضَتْ مآقيهِ بالدموع وهو يناجي رَبَّهُ :
” يا سَريعَ الرِّضا اِغْفِرْ لِمَنْ لا يَمْلِكُ إلاّ الدُّعاءَ اِرْحَمْ مَنْ رَأْسُ ماله الرَّجاءُ وَسِلاحُهُ الْبُكاءُ ” (7)
حتى يَكاد أن يُغشى عليهِ مِن خشيةِ الله الذي لاربَ معبودٌ سِواه ، وهو يرددُ :
” يا دنيا غرّي غيري إليَّ تعرضتِ أم إليَّ تَشوَّقتِ هيهات هيهات قد طَـلَّقـتُـك ِ ثلاثا ً لا رجعةَ فيها ” (8)
فَيصبحُ أسداً هَصورا هِزَبْراً جَسورا ، لايعرفُ الدرعُ اليهِ مَلبَسا ولا يُشاطِرالخوف اليه مَجلِسا ، يَفُتُّ الجيوشَ بذي الفقارِ هُزماً بذلٍ وانكسارِ ، وقد بُحَّ صوتهُ هل مِن مُبارز فلامجيب إلاّ ثغاء كالمواعز ، ويشج هامهم من غير كدٍ ويكسر عضدهم من غير جهدِ ، ، شديدُ الساعد شجاعٌ واعِد ، باسلٌ وَثوب كرارٌ سُهُوب (9) قَصِيِّ الغدرِ عَصِيِّ الفرِّ ، مُنَكِّسُ الرايات فالقُ الهامات ، فاتحُ الحصون حاصِدُ المَنون ، حتى إذا تصادمَ الرجال وتشابكَتْ النِصال ، وتجمدَّتْ الدماء في عروقها ، واستَعرَت الحرب بسوقها ، وظهرتْ نوايا الميل بَزَغَ من لايرقى اليه الطير ومن ينحدرُ عنه السَيْل ، فَتقَ الجيوشَ حيدر وأرجَفَ اليهودَ وزَمجَر وهشَّمَ الصدورَ وكَبَّر ، حتى إذا انهزمَ الراجفون وتبعثرَ الناكثون ، فلم يثبُتْ من القلوبِ إلا أَشجَعها ومن الصوارمِ إلا أقطَعها ، برزَ مَنْ لافتى إلا عليّ بذي الفقارِ النائلي (10) متحديا ً عمرو بن ودّ العامريّ بضربةٍ قَدَّتْ غرورَ العامريّ ، وَدَّكَ صناديدَ الباطل وفتَّ الأذرعَ الموائل (11) ، نبيلُ الخلقِ عندَ الطعان نَجيبٌ عندَ منازلة الأقران ، وينأى بوجههِ الكريمِ عَن طعنة ٍ تَذرو(12) ” كما ردَّها يوماُ بسوءتهِ عمرو”(13) ، هذا الذي جمعَ مِنَ المحاسنِ أَبهاها ومن الفضائلِ أَسناها ومن المكارمِ أقصاها ومن المحامد ِ أنداها ، ومن المساعي أكرمها ومن المفاخرِ أفخمها ، هو ركنٌ مِن أركانِ الهدى ويَدٌ عنوانها الندى ، ضاقت بمناقبهِ الآفاق فحُبُّهُ إيمانٌ وبغضهُ نفاق ، تعجزُ الاقلامُ عَن عَدِّ مناقبهِ ويفنى المدادُ في رسمِ مراتبهِ ، حارتْ بوصفهِ العقول وخضعَتْ لِحكمتهِ الكهول ، هو” مَن قاتل بسيفين وبايع البيعتين وهاجر الهجرتين ابو السبطين الحسن والحسين”(14) ، ذلك هو سيدي الأسد الغالب علي ابن ابي طالب .
…………………………………….
(1) اوسط القلادة : الجوهرة او الدرة الكبيرة في وسط القلادة
(2) النادي : الاهل او العشيرة
(3) يفوع : ينتشر
(4) سري : كريم ، سَخيّ
(5) كثير الرماد : كريم وكثير العطاء
(6) طعام جشب : طعام خشن وغليظ
(7) مقطع من دعاء الامام علي (كرم الله وجهه) .
(8) الكلام للإمام عليّ (كرم الله وجهه)
(9) سهوب : شديد الجري والحركه
(10) حسام نائلي : كثير الفتك … ويدرك مايريد .
(11) موائل : متجهة للقتال .
(12) تذرو : تقَطِّع وتبدد .
(13) الشطر من قصيدة (اراك عصي الدمع ) لابي فراس الحمداني …وهو يشير الى عمرو بن العاص عندما اتقى ضربة عليّ بكشف عورته في معركة صفين .
(14) الكلام لـ (علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب) في خطبته بدمشق .

0 التعليقات: