أخر الأخبار

.

القدس المحتلة وخطر تغيير مركزها القانوني



القدس المحتلة وخطر تغيير مركزها القانوني

عراق العروبة
حسن بيــــــــان


أثار قرار الرئيس الأميركي نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس ردود فعل سياسية وشعبية منددة معارضة ومتحفظة، وباستثناء موقف "إسرائيل"، لم تبرز مواقف مؤيدة للإجراء الأميركي وعلى الأقل بصورة صريحة وواضحة . 


إن القرار الأميركي بنقل مقر السفارة إلى القدس، لم يكن وليد ساعته، بل يعود إلى عقود خلت . ومنذ أعلن الكيان الصهيوني القدس عاصمة لدولته، لم تبد الإدارة الأميرية اعتراضاً صريحاً، بل أنها اعترفت بذلك عام 1995 وتريثت بنقل السفارة إلى اللحظة التي أعلن فيها ترامب قراره. وأن يصدر هذا القرار من أميركا فهذا ليس مستغرباً، لأن موضوع نقل السفارة كان دائماً مادة في الحملات الرئاسية الأميركية لأجل كسب ود اللوبي الصهيوني المتغلغل في مفاصل مواقع التأثير المالي والإعلامي الأميركية . كما أن هذا القرار لن يغير من طبيعة العلاقات الأميركية – الصهيونية، حيث تؤدي أميركا وظيفة الحاضن والداعم لكل حيثيات الموقف الصهيوني، وعليه كانت ومنذ قيام دولة "إسرائيل" لسبعة عقود خلت توفر مظلة الحماية الدولية من أي مساءلة بسبب انتهاكات الأخيرة للمواثيق والإعراق الدولية وبشكل خاص أحكام القانون الدولي الإنساني . 

إن خطورة القرار الأميركي لها بعدان ، البعد الأول سياسي، ويتجلى بتوظيف عناصر القوة الأميركية في السياسية الدولية لمصلحة كيان غاصب لم تكن هي من أسس له منذ بداية القرن الماضي بل بريطانيا التي كانت تحتل الموقع الأكثر تأثيراً في إدارة السياسة الدولية واستمرت تتناقص تأثيراتها حتى الحرب العالمية الثانية التي أفرزت نظاماً دولياً جديداً، اختلفت مراكزه المقررة على كثير من القضايا لكنها اتفقت على الاعتراف بشرعية الاغتصاب الصهيوني لفلسطين .وهذا التماهي الإيجابي بين الموقفين الأميركي والسوفياتي بنهاية الحرب الثانية، يعاد إنتاجه اليوم بآليات جديدة عبر تفاهمات أميركية روسية على أمن الكيان الصهيوني رغم الخلافات على قضايا إقليمية ودولية كثيرة . 

وأما البعد الثاني، فهو بعد قانوني، فحتى هذه اللحظة لم يصدر قرار من المرجعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة بتغيير من المركز القانوني للقدس باعتبارها مدينة واقعة تحت الاحتلال. وأهمية ذلك، ان اعتبار القدس مدينة واقعة تحت الاحتلال يفهم منه شيئان: الأول، ان العالم لا يعترف بالأمر الواقع المفروض على القدس باعتبارها محتلة، وهذا يرتب نتائج قانونية وسياسة، والثاني، أن اعتبار القدس مدينة محتلة يعني أن "إسرائيل" هي دولة احتلال. وطالما هي كذلك فإن القانون الدولي يفرض عليها أن تتعامل مع المناطق المحتلة باعتبار سلطة احتلال وبالتالي ممنوع على هذه السلطة تغيير معالم المناطق المحتلة وأعيانها الدينية والثقافية والتراثية، ويبقى الحق قائماً للشعب الذي يرزح تحت الاحتلال بممارسة حرياته الأساسية .

إن الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لدولة قائمة بالاحتلال حسب مواثيق الأمم المتحدة، لا يشكل فقط انتهاكاً صارخاً للميثاق الأممي من دولة يفترض أن تكون الأكثر حرصاً على احترام المواثيق الدولة بحكم موقعها الدولي الاعتباري، بل يشكل أيضاً دعماً قوياً غير محدود لكيان يعمل على التقويض الكلي للوحدة القومية والسمة الإقليمية للبلد المحتل وهو فلسطين وهذا يتنافى مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه وقواعده الآمرة بحسب ما جاء في البند السادس من حق تقرير المصير المنصوص عنه في إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة / قرار الجمعية العامة – 1514 (150) 14/12/1960 

وإذا كانت ردود الفعل الشعبية والسياسية – فلسطينياً وعربياً ودولياً الرافضة للخطوة الأميركية ومعها المواقف الرسمية تندرج في إطار التعبيرات السياسية ، فإن الأهم هو محاصرة الموقف الأميركي ، وعدم تمكينه من نفاذ تأثيراته إلى المرجعيات الدولية وخاصة الأمم المتحدة . 

إن الموقف الأميركي لا يغير من حقيقة الأمر الواقع القائم والمفروض بالقوة، لكن الموقف الرافض له ، يحول دون محاولات إضفاء شرعية دولية عليه . وأهمية ذلك ، أنه يبقي التعامل مع القدس باعتبارها مدينة محتلة ، وكل تغيير على مركزها القانوني، يكون عرضة للأبطال ، لأنه يتناقض والمواثيق الدولية التي تعتبر السلطة القائمة بالاحتلال سلطة مقيدة بعدم تغيير وتقويض معالم المناطق المحتلة . 

إنه مهم جداً محاصرة الموقف الأميركي جماهيرياً وسياسياً لكن الأهم عدم تمكينه من أن يشرّع دولياً، هذا يتطلب إدامة الحراك وتأطيره واستعمال أوراق الضغط على الموقف الأميركي وخاصة ورقة المصالح الاقتصادية والنفط أولها .

0 التعليقات: