الحال الجامعي العراقي
الحال الجامعي العراقي
عراق العروبة
وارد بدر السالم
وارد بدر السالم
لا نشك في الثقل الأكاديمي التاريخي للجامعات العراقية في مشروعاتها الثقافية بشكل عام، ولا نستطيع أن نتجاهل الأسماء “الجامعية” الكبيرة التي رفدت الحياة الثقافية من بابها الواسع على مر تاريخها الطويل، مثلما لا يمكن أن نغضّ الطرف عن مجهودات فردية وجماعية ساهمت مساهمة فاعلة في رفد الأدب العراقي على وجه الخصوص؛ من تأسيس مجلات أكاديمية مُحكّمَة إلى إصدارات أدبية وبحثية ونقدية نوعية وترجمات كثيرة من الثقافة الإنسانية العالمية، في حركية فاعلة ومثمرة بقيت إلى وقتٍ طويل رافدا مهمّا من روافد الثقافة المحلية الإيجابية .
وفي هذا الخضم المتوالي من النشاط الجامعي الأكاديمي كانت الدراسات الطلابية / الماجستير والدكتوراه / محايثة له في سعيها لتوثيق طاقاتها في دراسات أكاديمية أدبية وثقافية متنوعة. مكتسِبة خبراتها من الرموز الجامعية الأصيلة ومنافذها الكثيرة وتوجهاتها الرصينة في قراءة الأدب المحلي والعربي والعالمي وتوثيقه عبر تلك الدراسات والأطاريح، ولا نريد أن نبخس حق الجامعات العراقية في سعيها الأكاديمي القديم حتى اليوم ونحن نقرأ أحيانا نشاط طلبة الدراسات العليا في الجامعات العراقية في البحث عن الموضوعات الأدبية الملائمة لنيل شهادات الماجستير والدكتوراه .
لكن ما نسمعه في أحيان كثيرة بأن رغبات الطلبة الحقيقية تصطدم بأمور مسلكية في حلقات الروتين مرة ومرة أخرى في الأساتذة المشرفين الذين يفرضون على الطالب منحى أكاديميا ليس في صميم رغبته أو اطلاعه أو حبه له، وهذا يتسبب بعقبات حقيقية في نوعية الرسائل التي يطمحون إلى كتابتها برؤى جديدة وسياقات علمية مثمرة تستفيد من الحجم الحقيقي والثقل المعقول الذي تتوفر عليه الجامعات العالمية في كل مكان.
وهنا نشير إلى الرسائل الأكاديمية المعنية بالأدب العراقي التي تواجه بعض الإشكاليات التي يتسبب بها المشرفون على وجه الدقة. عندما يضعون ما يشبه المعوّقات أمام الطلبة الدارسين، وأول هذه المعوقات هو (الاختيار) إذ يجد الطالب نفسه منساقا خلف رغبة مشرفه من دون أن يكون له أي رأي أو اعتراض، فالطالب الذي يعنيه أن يبحث في تاريخ قصيدة النثر مثلا، يتحول فجأة إلى موضوع السرديات من دون رابط يربط الاثنين، سوى رغبة المشرف الذي ينصبّ اهتمامه النقدي أو الشخصي على الرواية وليس الشعر، والعكس يحدث أيضا، وهذه ظاهرة أخذت تتفشى في الرواق الجامعي على غير رغبات الطلبة وأذواقهم وصلاتهم الأدبية في هذا المشروع البحثي أو ذاك. وبالتالي يضطر الطلبة الدارسون إلى (تمشية) أطروحاتهم من دون حماسة مثالية تستوفي الشروط الواجبة لتنفيذ الرسالة الأكاديمية المرجوّة .
ظاهرة أخرى تُرهق طلبة الدراسات العليا وهي التركيز على المناطقية الأدبية، متأثرة باللون السياسي الذي يطغى على البلاد والعباد؛ فالجامعة الفلانية التي تقع في المحافظة كذا يعنيها من الطلبة أن يدرسوا أدباء المحافظة من دون غيرهم حتى ولو كانوا من الدرجة الثالثة أو الرابعة، وهذا منطق ليست فيه حصافة علمية إنما هو تكريس للمناطقية في أضيق حلقاتها وربما هي حلقة من حلقات الطائفية أيضا التي يطبّقها بعض المشرفين، ولا نعتقد أن الصروح العلمية الأصيلة تتوخى مثل هذا التصنيف السهل في توطيد صلاتها مع الثقافة المحلية عبر هذه الرؤية المشوّهة التي تكرّس حالات غير صحية في الروح الجامعية .
قد لا يبدو الأمر منتشرا كثيرا لكنه واقع على أي حال في تكريس مثل هذه الحالات غير العلمية التي لا تخدم الثقافة العامة وتحاصر الجامعة بمفردات ليست فيها روح البحث العلمي الأصيل، بل تزجّها في ما ليست لها علاقة به .
0 التعليقات: