أخر الأخبار

.

أصداف : الأدب أقوى من العلم


أصداف : الأدب أقوى من العلم



عراق العروبة
وليد الزبيدي




أثار مقالنا عن وظائف المستقبل حفيظة العديد من الزملاء والأصدقاء ، أحدهم علق بعبارة ” كارثة” وآخرون يتساءلون عن الحلول والبدائل ، لكن وردني تعليق من صديق عزيز ، أنه أبو يزن كما يحب أن يكون اسمه في التعليق ، يتضمن تعليقه التفاتة ذكية ، ويرى هذه القضية من زاوية اخرى ربما لم يتنبه لها الكثيرون ، يقول في تعليقه ، بعد التحية : في المستقبل سيكون المحامي الإلكتروني والطبيب الإلكتروني ، لكن لن يكون هناك الشاعر الإلكتروني والقاص الإلكتروني والروائي الإلكتروني ، يضيف أبو يزن في تعليقه ، يبدو ، هنا ، الأدب اقوى من العلم ، إذ يدخل في الأدب ، التصور والاحساس والخيال ، وهذا غير موجود في علم الرياضيات الذي تعتمد البرامج الحاسوبية على فروع هذا العلم وفي مقدمتها اللوغارتمات .

إن مراجعات سريعة لكل ما حصل من تطور في الصناعات خلال اكثر من قرنين ، وما طرأ من بدائل كثيرة اعتمدت في الأساس على ابداع العقل البشري ، وبعد ذلك ما يحصل من طفرات هائلة في عالم الذكاء الاصطناعي الذي يغزو الحياة اليومية بصورة غير مسبوقة على الاطلاق ،يكتشف أن الخيال الصافي والحقيقي متسيدا ، وقد يكون هناك برنامج لكتابة قصة قصيرة ورواية وقصيدة ، لكن ما يخرجه هذا البرنامج سيكون مشابها لما يكتبه الذين يزجون بأنفسهم بصورة قسرية في عالم الابداع الشعري والقصصي والروائي ، و ما اكثر هؤلاء قديما وحديثا ، لكن تبقى الذائقة المستهلكة للابداع دقيقة في تشخيصها ، وسرعان ما تفرق بقوة بين الغثّ والسمين في عالم الابداع الأدبي ، وإذا كانت هناك اقسام متخصصة في فرز المنتوجات وعزل الرديء منها ، فإن الذائقة البشرية قادرة بسهولة على تقييم العمل الأدبي ، نظرا لتلاقي احساس الكاتب الذي بثه في نصوصه واحساس القاريء الذي يتفاعل من خلاله مع النتاج الأدبي .

قيل قديما وفي جميع العصور والحقب ، أن المجتمع ينتج عقولا كبيرة وكثيرة في الطب والهندسة و الصيدلة وغيرها ، لكن ظهور مبدع حقيقي في الرواية والشعر والقصة ليس بالأمر السهل ومثل ذلك في الفلسفة والفكر والصحافة والكتابة ، وفي أي دولة يطالع المرء فيها إحصائيات الاطباء والمهندسين والصيادلة والمحاسبين والتدريسيين سيجد نسبة كبيرة جدا من بين اعداد السكان لذلك البلد ، لكن وعند التفتيش عن المبدعين في عوالم الأدب والصحافة قد تجد أعدادا كبيرة ، لكنها اولا تبقى قليلة ، وثانيا ، عند تمحيص تلك الاسماء ستجد قلة من هؤلاء يقفون في قافلة المبدعين الحقيقيين ، الذين تتوافر فيهم شروط المبدع ، الذي يعطي للناس ما يفيدهم في حياتهم وفي سلوكياتهم وفي التنوير المجتمعي .

إن هذا الموقف من قضية تفرد الابداع الأدبي لا يقلل من اهمية التخصصات الاخرى ، بل إن العقول فيما تنتج تتكامل ، و لأن المبدعين في ميدان الادب من شعر وقصة ورواية وحتى الصحافة ، غالبا ما يكونون في حياتهم ضمن قوائم الذين يعيشون في ظل العوز والفاقة ، فإن هذا لن يغري الشركات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي لمنافسة هؤلاء ، كما أن المنافسة مع الخيال قد تكون عبارة عن سباق خاسر .

0 التعليقات: