أخر الأخبار

.

التأريخ يكتبه الفيسبوك وأخوته بالرضاعة


التأريخ يكتبه الفيسبوك وأخوته بالرضاعة


عراق العروبة
علي السوداني




قيل قبل بضعة عقود، إنّ التأريخ يكتبه المنتصرون، وفي ذلك الكثير من الصحيح والقليل من الخطأ، الذي يصنعه الكاتبون بعناية ودقة، بانتظار حصاد نتاائج هذا الخطأ، حروباً وفتناً وحرائقَ لا تنطفىء .

في عصر الثورة التكنولوجية والألكترونية العظمى القائمة الآن، وفي ظلال توفر المعلومة والتواصل السهل مع منابع الخبر ومقترباته، تبدّل الأمر كثيراً وصار بمقدور غرفة تحتوي على عشرة موظفين وأجهزة كومبيوتر وشبكة انترنيت ساخنة وماكنة قهوة، أن تصنع جزءاً من تأريخ مطلوب بقوة، إعادة قراءته وكتابته وتفسيره وتتبيله بأوهام وأغلاط، ستكون تالياً صمامات أمان لكل دولة لملوم وغزاة طارئين مستوطنين أرض غيرهم وخيراتها، ومن هنا ولدت فكرة الجيوش الألكترونية المرتزقة، أو ما صار يسمى الآن " الذباب الألكتروني العامل "

هؤلاء ليسوا أذكياء بالضرورة، لكنهم يتكئون في نجاحهم وسرعة انتشارهم وتأثيرهم، على غباء المتلقي وخدره المصنوع بسلطة المال والدين التجاري المزروع اليوم، فوق دكة مزاد معلنة، من فرط كذبها ودجلها تكاد تصيح خذوني .

ولكي تصير تلك الجريمة المعلوماتية صورة وصوتا، انفتحت على الناس شاشات فضائية ضخمة، سخرت لها أموال وخدمات تكفي لإشباع ملايين البطون الخاوية فوق الأرض .

على الشاشة سيظهر لك عنوان جذاب، من قبيل شهادة خاصة، أو شاهد على الزمان، أو للتأريخ ، وعنوانات أخرى تقترب وتلوّن نفس المعنى بإغراء جديد .

سيشارك في عمليات التزوير وغسيل التأريخ، جمع من المستفيدين المنصاعين لمنبع التمويل والتموين، فتتوزع الحصص على هذا الجمع المكون من مالك التلفزيون والمذيع، والضيف الذي سيقول ما طلب منه أن يقوله، لكن بطريقة شيطانية لا قبل لمخ الرعية على تكذيبها .

لاحقاً وربما قبل ذلك، ستمول محركات البحث العملاقة التي أشهرها محرك العم " غوغل " تدريجياً ومن دون ضجيج، بمعلومات وسيَرٍ مطلوبة بالمتابعة، فيأتي الباحث الجاهل، أو طالب اطروحة الدكتوراه والماجستير، ليبدأ عملية لملمة أطروحته الثمينة، فيضع واقعةً على فم محرك البحث، وبضغطة زر سهلة، ستظهر تفاصيل الواقعة على عشرات الصفحات التي تبدو كلها حقيقية، مع صفحة زبدة مدسوسة لتغيير صورة أو معلومة تأريخية كانت نابتة في الرؤوس، ضمن باب الثوابت المقدسة، وهنا ستحدث المعمعة بتراكم عمليات تناسل وتفريخ صفحات مزيفة جديدة، وبعد قرن من الدهر سيصير التزييف حقائق مقبولة بقوة العادة .

0 التعليقات: