أخر الأخبار

.

المزيفــــــــــــــــــــــــــــون


المزيفــــــــــــــــــــــــــــون


عراق العروبة
د. قيس النوري




صوتهم عال، يثيرون الضوضاء، يبطنون عكس ما يظهرون، يزايدون حتى على المقدس، ينقلبون بالرأي أسرع من أي إعصار، يتحينون الفرص للتسلل. إنهم آفة يعيشون، كما العلق بين الضلوع، إنهم المزيفون المخربون عن قصد وسابق تصميم.


تاريخ الحركات الوطنية حافل بأمثلة هؤلاء، بعضهم نجح في التسلل إلى أعلى السلم، بل قفز بعضهم الآخر إلى القمة ووضع جماهير الكادحين أسفل قدميه.

لا يفترض تجاهل واقع هذا الأسلوب وحقيقته في الاستهداف الماكر، فالمعركة مع القوى الطامعة في أية ساحة من ساحات المواجهة مخطط لها بعناية، وهي كي تنجح في تحقيق أهدافها لابد لها من جيوب داخل الخندق المقابل، وعلى تلك الجيوب أن تكون مرتفعة الصوت، تنشد ليل نهار أناشيد وطنية وتعلن انتماء زائفاً، إنهم بهذا السلوك يحققون هدفا مزدوجاً، الأول إنهم يتصدرون استعداداً للانحراف مستقبلاً، والثاني العمل على تحقيق بوصلة التغيير باتجاه الأسوأ، وهم بذلك جالية الانحراف وفيلق التضليل المستعد أبداً لذبح مسيرة الانعتاق .

ليس صائباً تصديق المزايد بالرأي عندما يكون الجدل داخل البيت، فمثل هؤلاء سرعان ما ينقلبون، ينبغي بالرأي أن يكون حاسماً وصلباً في مواجهة العدو فقط، لا يهادن، لا يضع قدماً مكسورة هنا ويتطلع إلى تحقيق نزعات المرض المتأصلة في تكوينه وترسبات الباطن المليء بالعفن.

المعركة مع العدو المركب طويلة، فهذا العدو الطامع يوظف كل ما استطاع من ثغرات، وربما يكون أفضلها في الأذى (لص الدار) الذي لا ينكشف إلا بعد فوات الأوان.

لقد تعرضت حركات التحرر على مدى مسيرتها في مقارعة الطامعين إلى العديد من مشاهد التسلل المقصود، بخاصة في ظروف الأزمات، التي مرت بها، حيث يستثمر الظرف الطارئ والمربك في تسلق عناصر تمتهن السياسة بصفتها حرفة عمل للارتزاق من دون مبدأ وإيمان عميق مترسخ في النفس.

توفر الأزمة، التي تمر بها الحركة الثورية فرص استثمار مضافة، وهذا يستوجب الحذر لتفويت الفرص على هؤلاء من خلال صرامة الالتزام الحازم بالقواعد الأساس في العمل الثوري، وعدم الانجرار واستساغة الاستثناءات في القرارات حتى لا تتحول هذه الاستثناءات إلى قاعدة في العمل، ومن ثم يترسخ السلوك الخاطئ في تكرارات من القرارات تفضي إلى إتاحة المزيد أمام المتسللين المزيفين.

تلافت الكثير من حركات التحرر الوطني مثل هذه المزالق القاتلة من خلال ابتداع الصيغ الكفيلة بوأدها بتعريض المنتمي إلى محكات تكشف عمق انتمائه من عدمه، وهي أساليب مشروعة لحماية التنظيم وسلامة مفاصله وحراكه النضالي.

في الساحات الساخنة، وعندما تشتبك القوى، تستوجب الضرورة مزيداً من الحذر من احتمالات الاختراق المنظم المقصود، كونه يشكل تهديداً من داخل البنية، ويكون بهذا خطراً كامناً يوقع من الأذى أكثر مما يوقع فعل العدو المكشوف.

0 التعليقات: