أخر الأخبار

.

دولة المكونات


دولة المكونات

عراق العروبة
سامي مهـــدي



دولة المكونات دولة صراع دائم على السلطة والثروة والمنفعة . فهي لا تستقر ولا تنمو نمواً طبيعياً كسائر الدول . وإذا استقرت مدة من الزمن فهي مدة وجيزة ، عقد من الزمن أو أكثر قليلاً أو أقل ! فما يكاد الصراع بين مكوناتها يهدأ حتى يتفجر من جديد . وهو صراع على السلطة والنفوذ وتوزيع الثروة والمناصب والمكاسب ، وقد يتحول هذا الصراع إلى حرب ، أو حروب ، أهلية مدمرة .


ذلك أن دولة المكونات هي دولة العصبيات والمظلوميات ، وهي ليست دولة ديمقرطية حقيقية ، لأنها دولة لا تحقق العدالة لمواطنيها ، ولا تضمنها لمكوناتها ، كيفما كان دستورها وكانت قوانينها وشكل توافقاتها . فالتمايز والتمييز لابد منهما في مثل هذه الدولة ، لأن من طبيعة المكونات الكبيرة أن تتسلط على المكونات الأخرى وتهضم حقوقها وتتمنع في إعطائها إياها ، لأنها هي وحدها المستفيدة منها . وهذا ما يدفع بالمكونات الأصغر إلى التذمر والتمرد وربما الاستعانة بقوى خارجية متعاطفة معها ، أو لها مصلحة في الوقوف إلى جانبها ونصرتها . وبذلك تنفتح أبواب التدخلات الأجنبية على مصراعيها .

وخير مثل على ذلك : لبنان . فلبنان دولة مكونات ومحاصصات منذ أن كانت ، ولعلها دولة المكونات الأولى في هذا العالم . والصراع بين مكوناتها لم يهدأ في يوم من الأيام ، وتدخلات الدول الإقليمية والقوى العظمى في شؤونها الداخلية لم تتوقف . وقد أفضى هذا الصراع في مرحلة من مراحله إلى حرب أهلية مدمرة استمرت خمسة عشر عاماً . ورغم أن هذه المكونات توافقت في اجتماعات الطائف بعض التوافق بغية إنهاء الحرب ، ورغم أن الحرب توقفت فعلاً ، ظلت جميعاً تحتفظ بمليشياتها المسلحة ، والصراع المعلن والخفي في ما بينها لم ينتهِ حتى اليوم ، بل لعله اشتد وازداد ، وهو ينذر بالانفجار في كل يوم .

وقد شاء المحتلون الأمريكيون عام 2003 أن يجعلوا من العراق دولة مكونات على الطراز اللبناني لغاية خبيثة في نفوسهم ونفوس عملائهم . فحدث فيه شكل من أشكال ما حدث في لبنان ، بل حدث ما هو أسوء منه ، وظلت المكونات العراقية تجأر حتى اليوم بمظلومياتها ، والساكت منها ساكت على قهر ومضض ، ويبحث لنفسه عن حماة في الداخل والخارج ، وبقيت البلاد مسرحاً للصراعات الداخلية ، والتدخلات الإقليمية والدولية ، والجميع يخوض حرباً باردة نيابة عن الجميع ، ولا خاسر في هذه الحروب سوانا ، نحن المواطنين العاديين البسطاء .

فإذا أردنا لبلادنا أن تعيش في سلام ونمو وازدهار وحرية وعدالة ، وتشق طريقها إلى المستقبل وهي موحدة وآمنة ومستقرة ، فلا سبيل لنا غير الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة ، دولة المواطنة ، الدولة التي يتساوى فيها الجميع ، أفراداً وجماعات ، في الحقوق والواجبات ، وليس فيها غالبون ومغلوبون ، وظالمون ومظلومون ، ولا مكون كبير له اليد الطولى والقدح المعلّى ومكون صغير صامت على مضض وقهر كظيم . فدولة الغالبين والمغلوبين ، والظالمين والمظلومين ، تعيش في صراع داخلي دائم منظور وغير منظور ، وتلعب بمقدراتها تدخلات أجنبية مستمرة ، وتناقضاتها إن تهدأ اليوم تتفجر غداً ، ولا تنفع في حل هذه التناقضات التوافقات المؤقتة ، والمعالجات الشكلية ، والتلاعب بالألفاظ والمسميات ، والحيل السياسية المبتذلة ، كحيلة ( الكتلة العابرة ) وأشباهها .

0 التعليقات: