أخر الأخبار

.

نص بيان سماحة السيد احمد الحسني البغدادي الذي يعلن فيه تأييده لمطالب المتظاهرين العراقيين


نص بيان سماحة السيد احمد الحسني البغدادي

الذي يعلن فيه تأييده لمطالب المتظاهرين العراقيين

عراق العروبة



بسم الله الرحمن الرحيم



في هذه اللحظات التاريخية وفي هذا المنعطف الحاسم في تاريخ شعبنا وامتنا ارى من الواجب ان نقف معكم، اينما وقفتم وصرختم؛ وناديتم من اجل تحقيق المشروع الوطني الاصيل.

نؤكد لكم ونجدد عزمنا الثابت في مساندة انتفاضتكم ومناصرتكم، ولهذا أنا اعددت نفسي ودمي لأداء هذا الواجب المقدس؛ وقد بلغ السيل الزبى وقد مرت على العراق والعراقيين سنون عصيبة حملت معها كل مظالم الدنيا وويلات وتدخلات الدول المجاورة والاقليمية لتدمير العراق ولكسر ارادة شعبه، التي لاتخضع ولن تستكين طالما انه شعب حر وثائر ومنتفض، وقد وصل الامر بالمرتزقة الفاسدين ممن سلطهم الاحتلال الامريكي وأذرعه ان يوغل في جرائمه في تحطيم بناه التحتية ومعالمه الثقافية والمعرفية، وبشكل مخطط ومتواصل، وجرى العمل على تفكيك اواصره المجتمعية، وتخريب وحدته الوطنية بافتعال واثارة الاحقاد الاثنية والمذهبية، وقد وضع العراق برمته وعلى مدى (١٦) عاما تحت حكم طغمة فاسدة من شذاذ الافاق وعملاء الاحتلال الخاضعين لكل ما هو اجنبي ودخيل على العراق والعراقيين في ارتباطات مشبوهة تذل شعب العراق واحراره، وفي مواقف من السقوط قل نظيرها تمثلت بالخضوع التام للايادي الاجنبية، وتنفيذ مخططات دوائر التجسس الاقليمية والدولية، فضاع العراق ووجوده كبلد وشعب، واذلت اجيال من احراره. ووصل الامر ان بات هذا الشعب يطلب الخبز والماء والدواء، وهو الذي يعيش فوق اغلى كنوز الارض، وما اودعه الخالق تعالى من ثروات سخية، تعيش ملايينه في حالات النزوح والتهجير، وهو يعيش تحت استبداد لا مثيل له من انواع القمع والاذلال المقصود في جرح كرامته الوطنية، كشعب كان وسيظل منارة في تاريخ الامم والحضارات، ويشهد له العالم والشعوب بمكانته وتفرده وتميزه واسهامه الحضاري.

يا احرار العالم وها هو شعب العراق يعيش بحرمان ابنائه من حق العمل والتعلم، والعناية الصحية والاجتماعية، وابسط مستلزمات الحياة في الكفاف، ومن العيش الكريم، وبكرامة انسانية في وطنه المستباح . 

وقد ساد الجهل والمرض والفقر، وتصاعدت حمى نهب العراق على يد حفنة الطواغيت الاقتصاديين، والسياسيين، حتى بات العراق بكل مكوناته معروضا بخسة ودناءة للبيع والارتهان والمساومة بعناوين باطلة، ومن غير وجه حق شرعي او ديمقراطي نظيف، ومن دون انتخابات حرة وشفافة، وباتت الحصص الانتخابية، واصوات الاقتراع المزيف في الصندوق، الذي يباع وتوزع مقاعده ووظائفه الحكومية في مزادات الفاسدين بنظام المحاصصة الاثنية والعرقية والمذهبية، ويجري كل ذلك بغياب كلي لمنظومة الحقوق، وتشريعات، العدل وسلطة القانون، وتحت واقع فساد المحاكم والقضاء والقضاة الاميين المرتشين، فسادت في البلاد شريعة الغاب حين تمكن الفساق والخونة، وحتى عتاة الاجرام من السيطرة على ما يسمى «الرئاسات الثلاث» عبر برلمان كسيح، ودستور منحرف، وحكومات قل مثيلها، في اللصوصية والنهب، وكلها خاضعة تحت سلطة، وتمرد مافيات الفساد الاداري والمالي، والمليشيات المنفلتة من دون حساب او عقاب، تلك التي عشعشت في كل اركان الدولة والمجتمع، فشرعنت دولة اللصوصية وفق اراداتها، ومنها شكلت مليشياتها المسلحة، وباتت منفلتة؛ و غير شرعية ولا قانونية.

وللاسف تاجرت مثل هذه العصابات المأجورة بعناوين المرجعيات الدينية الساكتة والمتواطئة مع فسادها وانحطاطها الاخلاقي، وقد اختلط الدين المنحرف طائفيا بالسياسة العمياء ليشكل من ذلك خليط عجائبي من احزاب اسلاموية طائفية تتاجر بكل القيم والاخلاق الانسانية، ولكن هذا الشعب الصابر الكريم قد نفذ صبره وانفجر بركانه، الذي ظن البعض انه سيظل خامدا تحت الرماد لسنوات وآجال اخرى، تحت وطأة التضليل، والتهميش، والاقصاء، والفساد، وتجارة المخدرات، وشراء الذمم؛ ورغم توقد جمرة الغضب، فقد منح هذا الشعب الصابر عشرات الفرص لمن حكموه منذ ٢٠٠٣، ولكن من دون جدوى، فساد اليأس من كل فرص الاصلاح المطلوب، وغاب الحكم الرشيد والراشد، حتى اضحى العراق غابة ومضيعة للمفترسين والضواري، تمركزت وتجمعت وتحالفت ضد شعب العراق في وكر الخيانة والانحراف الممثلة في العصابة الحاكمة اليوم بالمنطقة الخضراء، ولم يجد الشعب العراقي سوى المقاومة والصبر على المكاره بكل اشكالها، واخرها لجوءه الى الخيار السلمي في التظاهر، ورفع المطالب لاسترجاع الحقوق، ووقف الاستهتار، لكنه ظل يواجه في كل مرة، وامام طغيان واستهتار كل حكومة من الحكومات الاحتلالية الفاسدة والمتعاقبة، ظل صامدا ومواظبا على استرجاع الحقوق، وقد واجهه الطغاة من الحكام، واذرع الاحتلالات، وعبيد المصالح الاجنبية، وادوات الجاسوسية الاقليمية والدولية بالمكر والتآمر، وبالتجاهل ايضا، فكان الرد في كل مرة هو الايغال في المزيد من سفك الدماء، ووصل الأمر باطلاق الرصاص الحي والغازات السامة نحو صدور العزل من شبابنا المتظاهرين المنتفضين ضد الظلم والطغيان السلطوي، ومن وراءه من خلف الحدود، وقد جرى اتساع حملات القمع والاضطهاد والاغتيالات والخطف والسجون الخفية، وحتى تنفيذ التهجير القسري، والتطهير الديموغرافي، وتقسيم العراق الى كانتونات تحكمها وتنهبها عصابات مافيوية، وشراذم من عصب الحكم، ويجري تفريط حقوق شعب العراق، فكانت التظاهرات والاعتصامات قد شملت كل مدن العراق، دون توقف؛ واخرها انتفاضة البصرة الفيحاء، وقد فشلت كل الوعود المقدمة من الحكومات العاجزة والفاشلة والساقطة، ووصل الامر الى ان يتقدم شباب العراق وفتيان الجيل الجديد من المحرومين والجياع والعراة القادمين من مدن الفقر والفاقة من المحافظات التي تقدمت التظاهرات السلمية طلائع من الصفوف الشجاعة المؤمنة بانقاذ العراق من محنته، وقفت في ساحة التحرير، وبقية ساحات الوطن في الاول من تشرين الجاري؛ فواجهوا بشجاعة رصاص القناصيين الغدرة قلما شهدها العراق في كل تاريخه المعاصر؛ منذ ثورة العشرين في القرن الماضي . 

وها هي النخوة الوطنية والشهامة تتجدد لتحدد مسار ومطالب انتفاضة شعبنا في الخامس والعشرين من تشرين الجاري لتدعو كل احرار العراق ونخبه الوطنية ومرجعياته المقاومة للاحتلال لانهاء واسقاط هذه الحكومة الفتنوية، والاعلان عن اقرار فشل ونهاية العملية السياسية، وانحراف دستور بريمر، والعمل الفوري على الغائه من جديد، وقيام مرحلة انتقالية محددة تقودها حكومة كفاءات وطنية محايدة ونزيهة، والشروع بجدية لتحضير انتخابات ديمقراطية يقرر الشعب العراقي فيها مصيره بنفسه، انتخابات يشهد عليها ويشرف المجتمع الدولي تتم بنزاهة لتضع العراق على طريق الوحدة الوطنية، وبتوفير السلم الاجتماعي، والعمل على اصلاح اوضاع العراق البائسة، وانهاء كل اشكال التشتت والتشرذم الطائفي والاثني والجهوي. 

ان تيار المرجعية الاسلامية الصادقة على عهده لهذا الشعب والوطن، الذي شارك هذا الشعب العظيم كل اماله والامه، وقد اسهم بما توفر لديه من طاقات ومواقف عزز بها روح المقاومة والصمود، وهو اليوم يجدد وقوفه وتبنيه لجملة المطالب، التي رفعها الشعب العراقي، يعلن مرة اخرى انه سيظل على عهده في احترام خيار الشعب العراقي من دون وصاية او استعلاء، في حقه في تقرير مصيره بنفسه. 

واخيراً، ان تيار «امة» يرفض حكم اللصوص ومنفذي الاجندات الاقليمية والدولية، فالعراق وطن الجميع يحتضن اهله ووفي لامته ولاجياله من اجل استرجاع الاستقلال والكرامة الوطنية، وان غدا لناظره قريب. 

احمد الحسني البغدادي 
24 صفر ١٤٤١هـ
الموافق الأربعاء 23 تشرين الاول ٢٠١٩ م

0 التعليقات: