الطبائع الغابية
الطبائع الغابية!!
عراق العروبة
د . صادق السامرائي
قرأت لأحد الأساتذة مقالا تحليليا يتحدث فيه عن عقلية “الغالب والمغلوب” المهيمنة على السلوك السياسي.
وكلما تُذكر كلمة “سياسي” , أتساءل :”هل عندنا سياسة”؟!!
المشكلة التي لا نصدق وجودها أن سلوك الكراسي تنطبق عليه آليات الغاب وأكثر.
إنه يتفوق عليها بوحشيته وإطلاقه لقدرات الشرور والجور والفجور , فالكرسي هو ميدان إنفلات النفس الأمارة بالسوء.
وهذا معروف على مدى العصور , والقادة الذين خلدهم التأريخ إما من الذين حاولوا لجم جماح الكرسي وطيشه , أو من الذين ركبوه إلى اقصاه فعبّروا عن غاية الشر وذروته في أفعالهم التي ترتعب منها الأرض.
وهم أكثر من الذين حاولوا أن يلجموا جنوح النفس الأمارة بالسوء والبغضاء , وهذا يتكرر في حياتنا التي نسميها (سياسية) , وما هي بالسياسية وإنما بالغابية.
البعض يرى أن في الغاب ضوابط وتقديرات متعارف عليها , كالجوع والقوة والضعف وإرادة البقاء, فالحيوانات المفترسة تصطاد ما ضعف من القطيع , وتحافظ على التوازن بتقليل الأعداد.
أما في عالم الكراسي فلا ضوابط ولا أحكام , وإنما إرادة الإنفلات المطلق التي لا تعرف الحدود والوقوف عند مكان أو الإعتراف بالقناعة وتغيير الرؤية والإتجاه.
فالذي يسرق يتمادى بالسرقة , ومَن يقتل يتواصل في القتل , والظالم يتمادى بظلمه وهكذا دواليك.
وفي عالمنا الذي قُتلت فيه النفس اللوامة واعتقلت النفس المطمئنة , وتسيّدت أمارة السوء التي فينا , لا يمكن القول بوجود سياسة , ولا يصح الإقتراب من الحالة بعقل ورشاد , وإنما الجنون هو القانون والإضطراب هو الدستور , مما أباح الفساد والقهر والقتل والتمادي بالسيئات.
فوجدتنا في عالم المحق الذاتي والموضوعي والإتلاف الحضاري المروع.
وساد العداء الوطني والغباء السلوكي الذي جعل أفعالنا ذات صفة إنتحارية , فأما أنا موجود أو يبيد كل موجود.
هذا السلوك يتكرر في بلداننا ويدمر معالم وجودنا , ويدفع بنا إلى إنقراض حتمي وعلى جميع المستويات.
البعض يتوهم بأننا لن ننقرض, وباننا سنكون , لكن دوام السلوك الإنقراضي سيدفع إلى حتمية الهلاك والإبادة التامة لمعالم الوجود الذي يرتبط بنا , فلن يغلب عتاة الكراسي يل الغالب هو الطامع فينا جميعا.
وهذا قانون إمتلاك الشعوب الجديد , الذي يرفع رايات الحرية وحق تقرير المصير على لافتات سامية , ويمثلها بسلوكيات دامية.
وهذا ديدن الوجود فوق التراب , فما ملكنا شيئا إلا جئنا بما يناقضه وما صنعنا شيئا إلا سخرناه للشرور!!
فهل سيتأهل واقعنا للكلام عن عافية سلوك وإرادة نكون؟!!
0 التعليقات: