أخر الأخبار

.

الحويجة .. بداية الانتقام


الحويجة .. بداية الانتقام 


عراق العروبة 

د. عمر الراوي




انتشر خبر تلك الجريمة النكراء التي ارتكبتها عصابات ارتدت لباس القانون، ونصّبت نفسها حاكما على البلد، كان يوما حزينا على نفوسنا، لم نستطع تصور حجم المأسات التي وقعت في تلك البقعة الصغيرة التي كان المئات من الأبرياء قد اعتصموا فيها من أجل المطالبة بحقوقهم .

دخل الطغاة تلك الأرض الطاهرة التي رفض المرابطون فيها مغادرتها، وارتكبوا فيها أبشع الجرائم، فقتلوا واعتقلوا وأحرقوا، ولم يُبالوا بصغير أو كبير، بل الكل في نظرهم خارج عن القانون .

كانت الحويجة أولى الأهداف التي أراد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي من خلالها تنفيذ ما توّعد به ساحات الاعتصام في المحافظات الثائرة، من أجل أن يرى ردود الأفعال حول ما سيقوم به من مجازر تجاه المعتصمين، فحدث ما أراد في وقت تكتّم العالم فيه عن تلك الجريمة، ولم تخرج فيه إلا بعض الاستنكارات والإدانات من هنا وهناك على سبيل الخجل والحياء، وكان ضعف الموقف الدولي مما جرى لأهلنا في الحويجة سلاحا قويا للمالكي كي ينفذ جرائمه على ما تبقى من المحافظات الثائرة.

نستذكر مجزرة الحويجة وقلوبنا تتألم على ما حدث في تلك المدينة الباسلة، ولن يستشعر أحد حقيقة ما حدث هناك إلا إذا سمع ممن عاش تلك الأحداث، وشاء الله عز وجل أن أستمع لما حدث في الحويجة من أحد الرجال الذين اعتصموا في تلك الساحة، ذلك الرجل المشلول الذي لن ينسى أحد صورته حينما كان ساقطا على الأرض، فتحدث عن تلك المجزرة بكل تفاصيلها، بين جمع كبير في مؤتمر عُقد من أجل إظهار الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في العراق، فأبكى جميع الحاضرين، وأظهر حقيقة ما جرى في ذلك اليوم الحزين .

كانت مجزرة الحويجة بداية الانطلاق من قبل الحكومة نحو مجازر في مدن أخرى تشهد حراكا ضدها، وما شهدته وتشهده مدن محافظات الموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى من دمار وتقتيل وتخريب وتهجير خير شاهد على ما نقول؛ فالحكومة انتهجت خطة واضحة من أجل تدمير هذه المحافظات، فقد خلت هذه المحافظات من أهلها، وأصبحوا مهجرين في مخيمات يعانون فيها مر العيش .

وما تعيشه الفلوجة اليوم من حصار ودمار هو امتداد لما حصل في الحويجة، فالفلوجة اليوم تصرخ ولكن لا تجد من يغيثها، وحال لسانها يقول:
                        أين ضمير العالم أين مما لاقينا وعانينا
                    هل مات فلم يسمع شكوى أم حيّ فليصغ إلينا 

ولن تقف الحكومة عند هذا الحد من الجرائم، بل ستستمر في انتهاكاتها لحقوق المظلومين في هذا البلد، ولنكن على يقين أن بلدنا لن يعلو له شأن، ولن يحل به استقرار ما دامت تحكمه هذه الثلة الفاسدة التي ما جلبت للعراق سوى الدمار والخراب .

ستبقى ذكرى مجزرة الحويجة خالدة في عقولنا، وتاريخا تتوارثه الأجيال، يحكي قصة أناس مظلومين اجتمعوا في مكان صغير، لم يكن عندهم سلاح، ولم يكن هدفهم الطمع في منصب أو مال، بل من أجل المطالبة بحقوقهم، وكف يد الظالم عنهم، فما كان من ذلك الظالم إلا أن وجه سلاحه عليهم، فسفك دماءهم، وفعل بهم من الإجرام ما لا تتحمله الأذهان .


وكما أن التاريخ سيخلد ذلك الموقف البطولي؛ فإنه لن ينسى موقف العالم المخزي مما حدث في الحويجة، وما حدث ويحدث لأخواتها في الفلوجة وباقي مدن العراق .


0 التعليقات: