أخر الأخبار

.

عشر درجات على مقياس وجع بغداد




عشر درجات على مقياس وجع بغداد


عراق العروبة
علي السوداني


بمناسبة أو من دون مناسبة ، سأبدأ مكتوبي الليلة بحرف جر ، وهو أمر ما كان يحبه الأستاذ عبد الأزل . سأصوب دربيل الذكريات نحو سنوات تعيسات ، لكنني أحنّ إليها الآن بقوة عشر درجات على مقياس بغداد أمّي العليلة . 

سأصيح فتسمعني رابع جارة وخامس جار ، ألله الله على أيام معونة الشتاء وإن كانت باردة جداً . تلك كانت فعالية رحيمة تجري في المدارس الابتدائية ، يحصل ببركاتها التلميذ الفقير على ثنائية بنطرون وقميص وربما حذاء من صنف باتا الشهير . 

مقاسات الهدية غالباً ما تكون أكبر من أجسادنا الصغيرة ، لذلك سيكون القميص من حصة الأخ الأكبر ، اما أنت فتقوم بقوة الفرح والضحك ، بتعبئة جسدك الناحل ببنطلون الشتاء العزيز ، وتشدِّ الحزام حول بطنك حتى الثقب الأخير ، الذي قد يؤدي إلى قطع النفس . ستكون التحديقات التي يرشّها عليك الأولاد الأغنياء مربكة قليلاً ، خاصة إن كنت على محنة الفشل في مسألة ربّاط القندرة المسمى قيطان . كان فرّاش المدرسة العم كطّوف أبو سليمة شرساً في وقت توزيع المعونة بنهاية الدوام . 

ليس بمقدورك أن تستبدل القميص الشاسع الذي منحك اياه على مرأى من معلم العربية . أبو سليمة رجل عبوس وهو جاهز لحملك على ظهره ورميك بنهير مجاور اسمه قناة الجيش ، إن تسببت بأي خلل قد يدمر طابور التلاميذ الفقراء . 

على طريقة الفزعة واثبات قوة الشخصية والشكيمة ، سيأتي حارس المدرسة أبو نجم بدشداشته المقلّمة ليشارك في ذلك الكرنفال الرحيم . في الصف كان معنا طالب سمين اسمه صباح عزيز ، ووزنه يساوي وزن سبعة يشبهونني . صباح ولد طيب وودود . ربما لأنه كان سميناً وقلبه كبيرا . أبو صباح عنده مصنع شوكولاتة وهي على أنواع ، لكنني لا أتذكر منها الآن سوى تلك المدورة الجوزية جداً والمسماة رأس العبد .

كان صباح يأتي من معمل والده الحنون بكمية محترمة من حبات الكاكاو . لم يكن الولد السمين بخيلاً ، لذلك كنت أحظى بقطعة أو قطعتين من ملذات حقيبته الأنيقة . 

أظن ان التهامه اليومي لكمية ضخمة من نستلة رأس العبد ، هو ما جعل وزنه يقترب من وزن الحادلة العملاقة التي تدوس الشارع قبل تبليطه بالأسفلت . 

يوم الثلاثاء القادم ، سأقص عليكم طوراً آخر من تلك البكائية العظيمة . شكراً جداً .



0 التعليقات: