أخر الأخبار

.

أغراض الشعراء وأحكام القراء





أغراض الشعراء وأحكام القراء

عراق العروبة
هيثم حسين




هل يمكن الحكم على قصيدة لشاعر ما في زمنه ومن ثمّ تعميم الحكم على شخصيّته وتاريخه ؟ ألا يكون في إطلاق الحكم على جانب نسبيّ تعميماً يحتمل الكثير من المغالطة مع حمولة اتّهاميّة من الصواب المفترض؟ هل يمكن الفصل بين شاعر ما وقصيدته؟ وهل يظلّ أعذب الشعر أكذبه أو العكس ؟ هل يفرض الواقع المعاصر أغراضاً جديدة للشعر ما كان لها أن تنتعش في ظروف تاريخيّة سابقة ؟ 

تحتمل أسئلة القارئ المعاصر في خبايا قصائد الشعراء ومواقفهم من قضايا حياتيّة أو اختلافيّة رغبة في الغوص إلى ما وراء القصيدة للوقوف في وجه الشاعر نفسه؛ في وجوده وموقعه وموقفه . 

فلا يزال هناك مَن يصف المتنّبي بالمرتزق المعتاش على موائد كافور، برغم تفاخره الذاتيّ الذي كان يضمّنه في قصائد مدحه لكافور الإخشيدي، ومن ثمّ انقلابه عليه وتوصيفه بأقذع الشتائم في قصائد أخرى . 

ولا يزال هناك مَن يبرّر له أفعاله وأحلامه ويحاول الفصل بين القصيدة والشاعر في توجّهه وطموحه، بين جنوحه الحياتيّ والشعريّ .

ويمكن التساؤل عن مواقف شعراء كبار في العصر الحديث، منهم مثلاً الجواهريّ الذي وصف بشاعر العرب الأكبر، ومدح الرئيس الطاغية حافظ الأسد في أكثر من قصيدة له، سواء تلك التي أهداها لدمشق واستهلها بـ”شممت تربك لا زلفى ولا ملقاً..” وعاد لتعظيم الأسد في ثناياها منشداً “يا حافظ العهد يا طلّاع ألوية تناهبت حلبات العزّ مستبقا”، أو تلك التي يستهلها بـ”سلاماً أيها الأسد ..”. 

واستغلّ النظام تلك القصائد واحتفى بها وقام بترويجها مستثمرا مكانة الشاعر وشاعريّته التي لا غبار عليهما . 

وكان الجواهريّ نفسه قد مدح الراحل الملا مصطفى البارزاني في قصيدة شهيرة له عن كردستان استهلها بـ”قلبي لكردستان يهدى والفم.. ولقد يجود بأصغريه المعدَم”.

هل يقف القارئ اليوم أمام تناقض تاريخيّ في شخصيّة الشاعر أم هي ظروف الحياة والسياسة عبثت به من وادٍ لآخر، بحثاً عن ملاذ آمن، أو تكسّب يعدّ من أغراض الشعر الكلاسيكيّة وسبل الشاعر التقليديّة في مساره الشعريّ ورحلته الحياتيّة باعتباره لا يملك إلّا قصيدته لتكون وسيلته لتأمين حياته..؟ وهل يتمّ التعامل مع الشعر كغرض لا يراد الحكم على صاحبه ، بل ينبغي تفهّم أوضاعه ؟

لا يحمل تذكّر مواقف الشعراء في قصائدهم وحياتهم أيّ محاولة إساءة أو تشويه لهم ولتاريخهم بقدر ما يبحث عن دوافع حثّتهم للإقدام على توظيف إبداعهم في سبل ربّما يعتبرها قارئ اليوم لا تليق بعظمة الشعر وشاعريّة صاحبه . 

وهنا لا يتعلّق الأمر بانقلاب موازين القيم أو تغيّرها من عصر لآخر، بقدر ما يتعلّق برؤية الشاعر لذاته وإبداعه، ومن هنا عليه حين ينسج قصيدته ألّا يغفل حكم التاريخ غداً، ومسعى القارئ المستقبليّ لكشف ملابسات قصيدته والنبش في ظروفه وحياته وربطهما معاً للوصول إلى الغرض الظاهر أو المخفيّ، وإطلاق الحكم بناء على ذلك .




0 التعليقات: