مـــؤشـــرات تقسيـــم اليمــــــن
مـــؤشـــرات تقسيـــم اليمــــــن
عراق العروبة
صلاح المختار
هل وصل اليمن مرحلة محاولة تقسيمه كما العراق وسوريا وليبيا والسودان ؟ رد احدى الاعلاميات في شبكة السي ان ان الامريكية وهي مارجريت ارينج وتحت عنوان ( حضرموت ذاهبة الى الاستقلال ) يقدم لنا صورة عن الانتقال من شبه السرية الى العلن في الكشف عن وجود مخطط لتقسيم اليمن. يبشر التعليق بقرب انفصال حضرموت عن اليمن وانضمامه لمجلس التعاون الخليجي ! هل تشبه خطة تقسيم اليمن ما يطبق في العراق وسوريا وليبيا والسودان ؟
1- مبدأ الثروة لمن يسكن فوقها : يقول التعليق ( نجد أن 75% من دخل اليمن من حضرموت . بالإضافة إلى دخول أخرى من الصيد السمكي ومن قطاعات المصارف والزراعة ومن السياحة والصناعة وقطاعات الأعمال ، كلها ستكون مصادر دخل مفتاحيه تساهم في ناتج قومي كبير. ) هنا نرى مبدأ ( ان الثروة لمن يسكن فوقها ) والذي دشن في العراق بعد الاحتلال مباشرة وهو احد اهم عوامل كسب كتل بشرية الى جانب مخطط التقسيم باغراء ابناء المناطق الغنية في العراق بالانفصال او التمسك بالفدرالية لاجل التمتع وحدهم بالثروة في منطقتهم ، وهذا المبدأ في جوهره هو افساد منظم لروح الوطنية والهوية القومية لانه يحل الانانية المناطقية محل المصلحة الوطنية الجامعة .عملية الاغراء بالانفصال تبدو واضحة جدا وهي ان الحضارمة سوف يتمتعون بثروات حضرموت وحدهم ويحرم باقي اليمن كما حصل حينما صور نغول اسرائيل الشرقية في العراق ان ثروة جنوب العراق النفطية سوف تصبح لهم فقط من اجل امرار مشروع اقليم الجنوب الفدرالي ! هنا نحن بصدد رشوة تقدم للمواطن العادي كي يقبل بتقسيم وطنه التاريخي اليمن .
2-تهيئة بيئة تسمح بالتخلي عن الثوابت الوطنية : فصل حضرموت يتطلب بيئة ضاغطة تسوق الانفصال فكانت ازمة اليمن المستمرة بكل الامها وكوارثها هي الطريقة الناجحة والتي تعمدت القوى الدولية والاقليمية ، خصوصا الصهيونية الامريكية والعنصرية الفارسية ، منع حلها سلميا بعد ان كانت وراء اشعال نيرانها في عام 2011 وشجعت على تعميقها لاجل بلورة الحالة النفسية التي تجعل انفصال حضرموت مطلبا لكتل بشرية كبيرة ويتحقق الانفصال بطريقة ديمقراطية . في كل وقت كان ممكنا تنفيذ حل سلمي لكن من خطط لتقسيم اليمن كان يشجع هذا الطرف او ذاك على القيام بخطوات تحبط اي حل .
ولعل اخطر عملية حصلت حتى الان هي تشجيع امريكا المباشر للحوثيين ومن معهم على تنفيذ انقلاب دموي من اجل الانفراد بالسيطرة على اليمن. كذلك فان وجود قيادات ضعيفة وعاجزة عن الوصول لحل في مختلف الاطراف هو جزء من متطلبات ادامة الازمة ومنع حلها . وهكذا رأينا ازمة اليمن تتعقد وتزداد اثارها المدمرة على نفوس ابناء اليمن من اجل اجبارهم على تغيير قناعاتهم الوطنية وقبول ماكانوا يرفضونه سابقا وهو ذاته الذي حصل ويحصل في العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان وغيرها .
3-الرباط المادي للدولة : عندما تنفصل اهم مناطق الثروة في الدولة تتفكك المناطق الافقر تلقائيا تحت ضغط تعاظم الازمة الطاحنة ، وبما ان اكثر من 75% من مصادر ثروة اليمن في حضرموت – كما يقول التقرير - فان انفصالها سوف يوجه ضربة قاتلة لبقية اليمن ولوحدته الوطنية ، لان اليمن الذي عرف بفقره – رغم امتلاكه ثروات هائلة - سوف يزداد فقرا وكوارثا . فنحن بأزاء حالة تعمد تدمير اليمن من الخارج وهي عملية نراها في كل الاقطار العربية تقريبا والسودان خير مثال فهو يعاني من التجويع رغم انه يمكن ان يكون سلة غذاء لكل العرب .
4- تساقط احجار الدومينو : من البديهي ان نتوقع ان انفصال حضرموت سوف يدشن انفراط عقد اليمن الواحد ليس فقط لاسباب اقتصادية بل ايضا لان العامل النفسي سوف يتدخل محركا بتعمد لابقاء الامية والقبلية بما فيها من فساد وتخلف موانع قوية لاي تقدم لاجل منع نهوض اليمن بوجود قيادات واعية وعصرية وابقاءه تحت هيمنة الفاسدين سياسيا واقتصاديا والمتخلفين فكريا لنزعتهم القبلية .
5-المحرك الخارجي الاقوى : حضرموت تهيأ للانفصال لوجود ثروة النفط فيها ، عيون من يريد الاستحواذ على ثروات العالم مفتوحة على اوسع مدياتها كي ترى اين توجد ثروات ثم تتحرك للسيطرة عليها حتى لو تطلب الامر ابادة الملايين وهو مانراه في العراق وليبيا وسوريا واليمن والسودان ، فمحرك فكرة الانفصال الرئيس في اليمن هو الخارج وليس الداخل .
6-فصل حضرموت جزء من خطة : تعمدنا ربط ما يجري في اليمن بما جرى ويجري في بقية الاقطار العربية ، فنحن نواجه تنفيذ خطة صارت علنية وهي تقسيم كل الاقطار العربية وشرذمتها لتكون كيانات قزمة ومقزمة بلا هوية وطنية او قومية وذلك هو جوهر المخطط القديم الصهيوغربي الذي يهدف الى ضمان امن الكيان الصهيوني وهيمنته على الوطن العربي .
7- هيمنة الميليشيات : الانفصال والتقسيم سوف يؤديان الى سيطرة الميليشيات وتحويل اليمن الى صومال اخرى وهو الهدف الاخطر لان هذه الحالة هي الضامنة لتصفية جذور الهوية الوطنية اليمنية وقتل القومية العربية وتنمية النزعات التشرذمية بكافة اشكالها الطائفية والعنصرية والمناطقية والعائلية ..الخ . لهذا فمن يعتقد بان اليمن المقسم سوف يستعيد هيبة الدولة واهم .
واذا انفصلت حضرموت فانها لن تستقر ابدا مهما بذلت كافة الاطراف التي ساعدت على فصلها لان عوامل الصراع باقية في كل اليمن وهي ستجعل من حضرموت سواء صارت دولة مستقلة او انضمت لمجلس التعاون الخليجي ديناميت متجدد التفجير والناثر لنيرانه وشظاياه على الجميع خصوصا مجلس التعاون الخليجي . ناهيك عن رد فعل ابناء اليمن الغيارى الذين لن يستسلموا لانفصال حضرموت بل سيكون ذلك عاملا جديدا اقوى من كافة العوامل الاخرى في تصعيد الحروب والقتال .
8- من السيء الى الاسوأ : من اشعل ازمة اليمن يتحمل مسؤولية نتائجها بما فيها تقسيم اليمن . ان اشتعال الازمة وان كان بقوة العامل الخارجي الا ان العوامل الداخلية خصوصا الانانية الفردية وكافة اشكال التخلف كانت وراء تغذية الازمة واستمراريتها وزيادة تعقيداتها ، فمثلا حينما اتيحت فرصة انهاء الازمة قبل الانقلاب الحوثي عبر مصالحات وطنية شاملة رفضت اطراف معينة هذا الحل لانها كانت مدفوعة باحقاد وثأرات ذاتية وجرتها جرا لتحالفات مدمرة نرى اثارها الان في وقوع الجميع في فخاخ قاتلة ما ان يخرجون من احدها حتى يجدون انفسم في الاسوأ .
لكي يكون واضحا وبلا اي تمويه او تضليل لابد من التذكير بالحقائق المعروفة التالية والتي تثبت بالقطع ان احداث اليمن خصوصا منذ عام 2011 كانت مقدمات تعد فيها البيئة المناسبة لتقسيم اليمن وانهاء كيانه الوطني :
1-اليمن عربي الهوية وليس فيه اقليات قومية فكل السكان عرب مع وجود لاجئين او مهاجرين اثيوبيين او صوماليين .
2- اليمن اغلبية سكانة شوافع ( 85% ) وهناك زيدية وهم طائفة شيعية لكنها تحترم الصحابة ولا تسبهم كما يفعل التشيع الصفوي ، كما ان هناك هاشميين ، وكانت العلاقات بين الشوافع والزيدية والهاشميين ودية ومستقرة وبلا مشاكل . ولم تبدأ الفتن الا بتحول الحوثيين الى موالين لاسرائيل الشرقية .
3- اليمن دولة بسيطة وليست مركبة معقدة التكوين فهي دولة عربية خالصة لكن الاستعمار البريطاني عزل الجنوب ومارس تأثيراته عليه فحصل تباين في درجة التطور الاجتماعي بين الجنوب والشمال لان الجنوب تأثر بالعالم الخارجي بحكم كونه تحت الاستعمار البريطاني وقتها اضافة لكونه يقع على البحر مباشرة وهي ميزة تسمح بالتفاعل مع الشعوب الاخرى ، بينما بقي الشمال الوعر جغرافيا في حالة شبه عزلة عن العالم وخاضع للتقاليد القبلية الصارمة المعوقة للتقدم والنهوض .
ما حدث خصوصا منذ عام 2011 اوجد البيئة الاصطناعية لاعادة النظر في تركيب اليمن فتحت ضغط الموت الجماعي والحرمان القاتل من اهم مستلزمات الحياة ونظرا للدور الخارجي خصوصا الامريكي والايراني فان اليمن اصبح ضحية عمليات تخريب منظمة هدفها تقسيمه بعد خلق ازمات طاحنة فيه . ولهذا عندما كنت في اليمن كان اهتمامي منصبا على متابعة سلوك السفير الامريكي جيرالد فالستاين يوميا وهو يتحرك بنشاط في كل مكان ويجتمع بالقبائل والاحزاب والشخصيات ويحضر توقيع كل اتفاق ، وبالطبع كان يمهد لتعميق الازمة ومنع حلها وصولا للتقسيم .
وبعد السفير جاء جمال بن عمر – تحت غطاء مبعوث الامم المتحدة الى اليمن - ليضع اسس الفتنة الجديدة وهي دعم انتشار الحوثيين في كل اليمن وافشال اي مشروع للحل السلمي النهائي وتجذير الازمة بتشجيع الحوثيين على ارتكاب جرائم بشعة لم يسبق لليمن ان شهد مثلها وهو ما سيجعل الثأر القبلي والسياسي من الحوثيين احد اهم المحركات المضافة لازمة اليمن ولحالته ولعدة عقود وربما قرون .
منع الحل ، وهو ما قامت به امريكا واسرائيل الشرقية اساسا، اوصل اليمن الى الحالة التي نراها الان والتي سمحت بطرح مطلب انفصال الجنوب وعودة الدولة الجنوبية ، والان يطرح مطلب انفصال حضرموت وتأسيس دولة حضرموت بانتظار انفصال مأرب وتهامة والجند وعدن وأزال ! فنحن الان لسنا بصدد عودة دولتين في اليمن فقط بل هناك مشاريع دول المدن ! فاليمن اذا وفقا لذلك مرشح للتحول الى عدة دول فكل محافظة او جزء من محافظة يدفع من الخارج وبدعم من الداخل لتشكيل دويلة !
هل يذكركم هذا الوضع بشبيه له ؟ نعم هذا يذكرنا بما حدث قبله في العراق عندما طرح هدف استقلال البصرة تحت غطاء تحويلها الى كيان فدرالي ، ثم طرحت مشاريع دول في محافظة نينوى : دولة للشبك ودولة للمسيحيين والمسيحيين انقسموا الى كلدان واشوريين ولكل منهم دويلة ! ناهيك عن دولتين للاكراد ودول شيعية وليس دولة شيعية واحدة ودول سنية وليس دولة سنية واحدة ! انه التشرذم المنتشر وفقا لمعادلات هندسية وضعتها الصهيونية الامريكية ! الم نحذر منذ عام 1980 من هذه الخطة وقلنا ان تنصيب خميني ديكتاتورا على اسرائيل الشرقية ليس سوى مقدمة لتقسيم الاقطار العربية كلها لانه وكما اثبتت الاحداث الرافعة الاساسية للمخطط الصهيوغربي ؟
تذكروا ان هذه المشاريع ومهما دعمت دوليا او قليميا او عربيا سوف تخمد وتنتهي كما طمر مشروع دويلة البصرة مثلا . فاللحمة الوطنية اليمنية مثل اللحمة الوطنية العراقية والسورية والليبية والسودانية عصية على التقسيم مهما تعرض شعبنا العربي للكوارث المصطنعة وستسقط كل هذه الخطط الصهيوامريكية فارسية بقوة ارادة المقاومة العربية في كل قطر عربي لهذه المخططات المعادية .
0 التعليقات: