العراق عربيا في منعطف قمة الرياض
العراق عربيا في منعطف قمة الرياض
عراق العروبة
حامد الكيلاني
تبنى الرئيس الأميركي الـ45 دونالد ترامب في حملته الانتخابية وسباقه نحو البيت الأبيض شعار “لنستعد مجد أميركا أولا”، وهذا الشعار يصلح أن يكون مدخلا أو بوابة لاستعادة العراق أولا قبل البحث في استرداد مجده التليد وتاريخه الثري بالحضارات الإنسانية. مسؤولية ذلك تقع بالدرجة الأساس وضمن قراءة موضوعية، على أكتاف أمته العربية أولا، وأمته الإسلامية ثانيا، وعلى الولايات المتحدة الأميركية وتحديداً إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي يحمل في طيات سيرته رفضا مبدئيا لاحتلال العراق، وأكيد أن للمجتمع الدولي دورا مهما في سياق الأمن العالمي .
بديهي إن استعادة العراق أو انتزاعه من مخالب الإرهاب والاحتلال الإيراني هي واجب وطني يستحق كل التضحيات من الشعب، لكن في حالة العراق يبدو الأمر مستحيلا، والمعالجات لا تتعلق بمفردة الإصلاح وإعطاء الفرصة للتغيير مع كل دورة انتخابية جديدة. فالمأساة ضربت المدن العريقة ودمرتها وقتلت وشردت أهلها بعد أن وفرت الحكومات المتعاقبة بأحزابها وميليشياتها المرتبطة سياسيا وعقائديا بالمشروع الإيراني كل الفرص لتمدد إرهاب تنظيم داعـش في نينوى والمحافظات الأخرى، وبصفقة باتت مع مرور السنوات معروفة النيات والمقاصد، وأعلاها سقفا استثمار رد الفعل في تحشيد البسطاء والفقراء طائفيا في صفوف الحرس الثوري الإيراني وبمخطط واسع لدمج الميليشيات المذهبية في مواجهة مبـاشرة ظاهرها مكافحة الإرهاب وجوهرها تنفيذ استراتيجية ولاية الفقيه في تصدير ثورة الخميني القومية الطائفية لسحب المنطقة إلى حرب أو سعار طائفي لم يكن يخطر أبدا في ذاكرة أمتنا وشعبنا العربي المتعايش على مدى قرون بتنوع قومياته وأديانه ومذاهبه .
الغموض في السياسة أحيانا يكون مفيدا في العلاقات الخارجية مع الدول لإعطاء مزيد من الوقت للمناورة وتحقيق مكاسب متبادلة. العراق غير مشمول بالمعايير والقياسات، ولن تجدي نفعا التصريحات الصادرة من رئيس الحكومة حيدر العبادي مهما ارتفع صوته في وصف وإدانة خروقات حشد الحرس الثوري ضد المدنيين وأجهزة الأمن الرسمية، وهيمنته الواضحة على مفاصل الحياة اليومية بالترويع والاختطافات التي يعترف وزير الداخلية بأن إطلاق سراح العديد منهم يتم بمعرفته الشخصية بالخاطفين أو من خلال وسطاء يعرفهم وبمقايضات مختلفة، وكل تلك الأساليب جزء من انتشار وسيطرة حاسمة على مقدرات مستقبل العراق السياسي والعسكري والأمني .
التدليس في تصريحات قادة الفتن المذهبية وزعماء المحاصصة السياسية لإضفاء صورة الحراك السياسي العابر للطائفية تكذبه وتفضحه أصوات خامنئي الصريحة اللاذعة الموزعة على ألسنة زعماء الميليشيات الذين يعتمدون نص مشروع ولاية الفقيه، وهو خط لبرنامج عملي متصاعد يستند على أرقام وبيانات لمقاتلين بمئات الآلاف وميزانية مالية متدفقة من مصادر متعددة أهمها خزينة العراق؛ والتجهيزات أشارت إليها قمم الرياض بامتلاك الميليشيات في اليمن صواريخ باليستية، في سابقة لم تشهدها تجارب العالم من قبل، وذلك لم يعد مجرد معلومات إنما ممارسات ميدانية؛ والحرس الثوري في لبنان يمتلك الآلاف منها .
سبق أن نوّهنا إلى عناصر من الحرس الثوري في العراق تم الزج بها ضمن دورات للتدريب حتى على السلاح الجوي وبأحدث المعـدات المستوردة للجيش العـراقي وبحمـاية قانون أقره البرلمان العراقي بالأغلبية الطائفية. قانون بمثابة فضيحة يجب أن يتوقف أمامها أي جهد دولي يتوخى مكافحة الإرهاب .
الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفي خطاب تنصيبه، أي في يومه الأول، تحدث عن إصلاح واشنطن، وذلك في متناول يديه وإدارته الفاعلة التي تستند على مؤسسات راسخة ومستقرة بإمكانها ترجمة القرارات والأوامر إلى أنشطة حياتية في السياسة والاقتصاد والعلاقات إلى آخره .
لكن العراق أصبح فريسة لشبكة إرهاب نسجت متوالية من الإخفاقات، أضاعت معالم الدولة والوطن ومزقت نسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية، وأعادت ثلاثية الفقر والجهل والمرض وتحت لافتة طقوس الديمقراطية التي تعبر من تحتها كل طقوس الواقع المتردي الذي ساهمت فيه إدارة الرئيس باراك أوباما بانسحابها من التزاماتها تجاه العراق خاصة والمنطقة عموماً مقابل اتفاق نووي مرحلي مشبوه مع إيران .
نحن مع الرأي الأميركي القائل “أخطأ باراك أوباما في الانسحاب من العراق كما أخطأ جورج بوش الابن في احتلال العراق”، وهذا أيضا رأي دونالد ترامب. تصحيح الأخطاء المتراكمة في العراق منذ الاحتلال حتى الآن هو جذر أو قاعدة تصحيح ومعالجة لمعظم مشاكل المنطقة، لأن احتلال العراق كان صدمة بمفاعيل نووية سياسية هزت المنطقة ونبشت الأرض الصلبة نسبيا للسلم العـالمي في فترة ما بعـد الحرب الباردة التي تقوّض فيها الاتحاد السوفييتي .
الاحتلال أساساً كان نتيجة يراها بعضهم غير متوقعة وكنا نراها ماثلة أمامنا منذ لحظة سقوط برجي التجارة الدوليين في نيويورك في 11 سبتمبر 2001. في ذلك التاريخ الفاصل بين مرحلتين من التعاطي مع السياسة الدولية التي ذهب العراق ضحيتها بالشبهات كملحق استراتيجي لرد الفعل تجاه إرهاب طالبان والقاعدة في أفغانستان؛ وكما يعلم الجميع إن الإرهاب وتصنيفه الذي نعاني منه اليوم هو ولادة طبيعية للعام 1979 الذي شهد غزوا معلنا للقوات السوفييتية على الأراضي الأفغانية، ومجيء الخميني إلى السلطة في إيران، وكلاهما تسبّب في إشعال فتيل الصراع الطائفي وإن اختلفت الغايات السياسية بينهما .
العراق يمكن تعقّب معالم انهياره شبه التام بالإطلاع على مستوى الانقسامات الحادة في تكوين أبنائه النفسي وشعورهم باليأس والارتباك وعدم الاستقرار واللاجدوى، من تعليقاتهم وأفكارهم ورؤاهم في شبكات التواصل الاجتماعي. فالأغلبية مازالت تحب أو تكره أميركا، أو تحب أو تكره إيران، أو تحب أو تكره زعماء أو قادة راحلين أو أحياء، وكذلك الأمر بما يتعلق بالمرجعيات الدينية المذهبية الطائفية أوالميليشياوية، لكن المؤلم أننا بين تداعيات الخراب ليس بإمكاننا استعادة بلادنا وحياتنا وإنقاذ العراق وأهلنا من عصبة مجموعة أحزاب وتيارات وقوى سياسية مهّد لها المحتل الأميركي الطريق إلى حكم العراق، ثم أجهزت إدارة أوباما على ما تبقى في العراق حين تركته تحت وصاية المرشد الإيراني وحرسه الثوري والصف الأول من الخونة .
الحل بكل وضوح في عزل النظام الإيراني، حيث لا بديل إلا بتغيير النظام السياسي في العراق الذي يعدّ أكبر حاضنة للتنظيمات الإرهابية من الحرس الثوري إلى داعش وما بينهما مـن مفردات الميليشيات من اختطاف وعودة إلى ظاهرة التطهير المذهبي في بغداد حصرا والجثث الملقاة مع رسالة “ممنوع دخول بغداد”؛ هذه هي رسالتهم، أما رسالتنا فهي رسالة الأمة ورؤيتها لمصيرها في المنعطف الخطير من تاريخها .
0 التعليقات: