أخر الأخبار

.

سقوط المئذنة


سقوط المئذنة


عراق العروبة
صباح الناهــي


كنا دوما نخشى سقوطها لكننا نتجشم عناء التفكير بذلك ونحن ندنو منها ونرى البيوت الآمنة التي لا تخشى انحناءها في محلة الجامع الكبير في مدينة الموصل القديمة، وبرغم تشييد عشرات الجوامع والمساجد الحديثة التي بنتها الدولة إبان الحكم الوطني العراقي - بل طيلة القرون التي سبقته - إلا أن جامع النوري أو الجامع الكبير الذي تميزه مئذنته الشامخة يظل الأبهى بين الجوامع الأخرى برغم صغره لكن هيبة مئذنته وشموخها “55 م” تظل تعطي لجامع النوري مهابة التاريخ والمعنى الدلالي بين سكان الأحياء التي ترى المئذنة الشامخة من كل أرجاء المدينة حتى باتت فنارا يستدل بها الناس على وجهتهم، حين يضيع الزائر في الموصل المدينة الأكثر قيمة في تاريخها الحضاري والثقافي بين مدن العراق الشمالية كما البصرة في أقصى الجنوب .

ظلت المئذنة شامخة تسعة قرون حاول الزمن والكوارث البيئية والزلازل إسقاطها دون جدوى، جاء الغزاة والطغاة من كل الجهات والجنسيات ليدنسوا الموصل ولفظتهم بل داستهم وظلت مدينة إسلامية عربية تنطق بلسان عربي وبقلب عربي وتغني مقامات إسحاق الموصلي وتستوعب كل ثقافات الأقوام من حولها ليسيروا بركبها .

ظلت المئذنة واقفة برغم انحنائها وتحدبها حتى نسى الناس اسم الجامع وأخذوا بوصف مئذنته الشاهد الحي على المدينة هوية وتاريخ مجيد، لتسعة قرون خلت وهي تكابد التاريخ وتبصر بيوت الموصل وتغمرها بالسكينة حين ينتظرون سماع الأذان منها، ويسمعون صلوات الأعياد، ويهرعون للجهاد في سبيل مدينتهم حين يطلق مؤذنها صلوات التكبير .

ومنذ تشييد الجامع الكبير في الموصل الذي يمتد على مساحة ستة آلاف متر تقريبا من قبل نور الدين زنكي في القرن السادس الهجري والذي بناه بعد الجامع الأموي المشيد في المدينة من القرن الثاني الهجري، والذي شهد إعادات لأعماره آخرها في العام 1944 ودراسات كثيرة جرت في الثمانينات من القرن الماضي لمعالجة وقف التواء المنارة الحدباء، مثل التي جرت لبرج بيزا الإيطالي، وعملت حينها الدولة جاهدة في ذلك السبيل إلا أن مهندسين عراقيين نصحوها بأن لا تقدم على ذلك وطلبوا من البيوت اللصيقة مغادرة المنطقة خشية سقوط المنارة في حال حدوث أي زلزال لكنهم أبوا أن يغادروا منازلهم متبركين بها وبقيمة جوارها، حتى إنهم لا يجددون أو يرممون بيوتهم خشية أن يؤثر ذلك على المنارة الحدباء .

لكن آخر الغزاة المحتلين للموصل الملقب أبي بكر البغدادي زعيم داعش الذي أعلن دولته المزعومة من جامع النوري الكبير ومن تحت منارته الحدباء أعلن موتها من ذات الجامع وتفجيره البربري لينهي قصة تسعة قرون .

0 التعليقات: