أخر الأخبار

.

رومـــــــــــــا



رومـــــــــــــا



عراق العروبة
أميمة الخميس


تشكل تجربة الشاعر محمود درويش نقطة ارتكاز في الشعرية العربية الحديثة ,يجمع الكثير من النقاد على فرادتها وأصالتها , استقلت بسماتها الأدبية كتجربة لها قوانينها الداخلية الخاصة التي أستطاعت أن تضفي جماليات فنية ودلالات إبداعية على القصيدة العربية, فزادتها عمقا وثراء وشمولية إنسانية . 


ورغم أن قصيدة درويش ارتبطت بالقضية الفلسطينية ارتباطا عضويا, بحيث نالت الرواج والانتشار على المستوى الشعبي, لكنها لم تفقد سموها ونخبويتها, وظلت قصائده مكتنزة بالمحتوى الجمالي الذي يمنحها صفة الخلود خارج أطر ظرفها التاريخي الخاص . 

ومن يتفحص أشعار محمود درويش يتوقع أن تكون المدن الفلسطينية هي الأكثر حضورا وترددا, مرتدية معاطف الحنين,والغياب والمنفي والتشرد, ولكن المفارقة تظهر عندما نجد أن روما هي المدينة الأكثر بروزا وتكررا . 

وهي تظهر ليس بوصفها روما العاصمة الإيطالية, بل روما العريقة التي تفضي إليها كل الطرق, كعاصمة للأمبراطورية الرومانية التي هيمنت على العالم القديم, وعندما كانت جميع ضفاف المتوسط في عهدها تطوق بحيرة رومانية . 

روما حاضرة في أشعار محمود درويش, كرمز يحيلنا إلى القوى الاستعمارية الكبرى, واستبدادها بالشعوب المستضعفة , وشهواتها التوسعية  .

يقول في قصيدته / أحمد العربي 

(كلما آخيت عاصمة رمتني بالحقيبة 
كم أمشي إلى حلمي فتسبقني الخناجر 
آه من حلمي , ومن روما , جميل أنت في المنفى ...قتيل أنت في روما.) 

حيث يلخص أبدية السيرة التاريخية للأمبراطوريات الأمبريالية التي تكتسح الشعوب لتفرض ليس وجودها العسكري فقط , بل سطوتها وهيمنتها, وتملي أوامراها وتبث ثقافتها . 

يقول في قصيدته (عن إنسان) . 

(يا دامي العينين والكفين ..إن الليل زائل 
نيرون مات .....ولم تمت روما ) 

ولعل تزامن الأمبراطورية الرومانية مع حياة المسيح عليه السلام , عمق هذا الرمز وعززه, حيث تتماهى القضية الفلسطينية لدى درويش مع شخص المسيح عليه السلام , وبجميع الأبعاد العميقة التي تحيلنا إلى أصحاب القضايا العادلة ونضالتهم , يقول في قصيدته القربان . 

(لم يعتذر أحد لجرحك , كلنا قلنا لروما ..لم نكن معه 
وأسلمناك للجلاد, فأصفح عن خيانتنا الصغيرة يا أخانا في الرضاعة . 
لم نكن ندري بما يجري) 

بينما في قصيدته (اللقاء الأخير في روما) , تخلع روما حلتها العسكرية , وترتدي رداء المدن العريقة العتيقة , والتي تجلب شوارعها الشجن , وتهدر الرياح في شوارعها بولولة الحكايات والأساطير فيقول :

(أما كان من حقنا أن نصدق أن لروما قمر 
وإن لروما شجر, أما كان من حقنا أن نسافر داخل هذا السفر) 

حيث تظهر هنا علاقته الملتبسة مع المكان , ومع شخص يقدر القوة ويجلها , لكن يعلم في أعماقه أن هذه القوة هي التي تعمل نصالها في جسده . 

لقصائد محمود درويش وهج لايخبو في المخيال العربي, بين جدلية الأمل .. واليأس , وهذا شأن الشعر عندما يقفز من الآني إلى الخالد .

0 التعليقات: