أخر الأخبار

.

بدري حسون فريد : أنا لا أنفذ النص إنما أتخيله


بدري حسون فريد : أنا لا أنفذ النص إنما أتخيله

عراق العروبة
كاظم النصار

منذ ان غادر الفنان بدري حسون فريد بلاده قبل اثني عشر عاماً وهو يتوق الى العودة، والحضور الكبير له هنا مخرجاً واستاذاًَ مرموقاً ظل هناك حيث يعيش في المغرب لكن للغربة اشتراطاتها ووجعها وما ترشح عنها من ضيق مادي يأبى هو بكبريائه المعروفة الاعتراف به لان عمله منحصر بالتدريس محاضراً مما لا يسد متطلباته كرجل تجاوز السبعين من عمره وعن اخر امانيه انه يأمل في ان تلتفت اليه الدولة بعد كل هذا العطاء . 

استذكار المربي بدري حسون فريد يأتي بعد ان صدر له حديثاً كتاب (رحلتي مع المسرح) عن دار الشؤون الثقافية- بغداد. هذا حوار اجريته معه قبل هجرته بأشهر قليلة يكشف عن مرجعياته ومنهجيته وايمانه اجده ما زال طازجاً وساخناً وقد جاء فيه .
***شاعر المسرح الواقعي :-
الفنان الكبير بدري حسون فريد شاعر المسرح الواقعي كما يحلو لنا ان نسميه او كما يتمنى هو ان يكون شاعراً في الكلمة والحركة والجسد والتكوين صاحب الاسلوب الواقعي التحليلي الحديث والملتزم بقضايا المجتمع والدائب المتواصل مع كل ما هو جديد ومتطور،
هذا الفنان الذي اغتنى عالمه الروحي بالمظاهر الاحتفالية والطقوس الدينية في مدينة كربلاء حيث ولد عام (1927) وجاء منها الى بغداد ليدرس في كلية الحقوق ثم يدرس المسرح هنا وفي معهد (غودمان ثيتر) حاملاً مشعله وحدسه بنبوءة ان نرى نور العالم ونور الحياة والدفاع عنها وعن قيم الخير والحق والجمال التي سار عليها طيلة (40) عاماً ويزيد في حركة المسرح العراقي شخصية وطنية مسرحية ممثلاً ومخرجاً وكاتباً واستاذاً جامعياً مربياً ورائداً للمسرح ..
لا شيء اخطر من علم ناقص في محرابه الصغير اقتربت منه وهو يقرأ (فاتحة لنهايات القرن/ ادونيس) قال لي: لا شيء اخطر من علم ناقص.. تعلمت هذه الجملة مبكراً في مسرحية (القبلة القاتلة) التي اخرجها الفنان (جعفر السعدي) وها أنت تراني ابحث باستمرار والكتاب هذا فيه كشوفات واضاءات عالية عن الممثل الخالق وعن التغريب والتي احاول ان استفيد منها واؤكد بحثي بخصوص الفعل العضلي للممثل .

سألته :
– هل من الممكن اضاءة بعض ما يتعلق بجوانب هذا البحث فاجابني: اعتمد ستانسلافسكي في السنوات الاخيرة من حياته وبالتحديد عام (1935) منهج الفعل العضلي الفيزياوي لتعميق الواقعية النفسية التي هي (المرحلة الثانية) في حياته والتي استفاد من (الانعكاس الشرطي) في منهجه الجديد (الفعل العضلي) وقد تزامنت تجاربه الاخيرة مع طروحات (بابلوف) و(سيخنوف) العالمين النفسيين البايلوجيين في روسيا هذا المنهج طرح في (السينمار) بعد مناقشة من قبل (سوينامور) وفرقة (موسكو الفني) اما اجراءات وتطبيق هذا المنهج بخطوات اجرائية وتنفيذية فانه يحتاج الى شرح مؤجل وربما الى بحث اكاديمي منفصل . قلت له : تهتم من ضمن ما تهتم به (الكلمة المنطوقة) واحترام المؤلف ..

ماذا بشأن النص الرديف المحايث -نص المخرج- بعض التجارب تلغي سلطة المؤلف؟
– انا اهتم (بالكلمة المنطوقة) للغني العميق فيها من فكر وسحر وجمال ودلالة بالاضافة الى ان الكلمة المنطوقة (تفجر) الفعل وكما ان (الحالة) و(الحدث) و(الموقف) تفجر الفعل فانها تفعل نفس الشيء غير ان المؤسف ان القدرة على استنطاق الكلمة ومعالجتها درامياً كوسيلة ابلاغية وتعبيرية ضعيفة او تكاد تكون معدومة لدى اغلب الممثلين والممثلات عندنا لافي العراق فحسب بل في الوطن العربي كافة .
الصوت البشري ان هناك ازمة اصوات والصوت البشري هو (سكلجة وفسلجة) مزيج متداخل بين الاثنين وعلى الممثل ان يفهم هذا جيداً وان يمرن صوته ويعتني به كثيراً بحيث لا يخلو يوم من التمرين حسب قواعد علمية ومنهج (لاساك) في الصوت والالقاء الذي تعلمته جيداً يعطي فرصة جيدة للممثل ان يدرب صوته عضلياً بحيث يستطيع ان ينهض بأي دور وفي أي نص وحسب المذهب والجنس الادبي وهذا طموح كبير .
أحاول من جديد ان اهمس في اذن زملائي وتلاميذي لقد كان اعظم ممثل في العالم (لورنس أولفيه) وحتى قبل رحيله يتمرن ساعة واحدة يومياً على الصوت والالقاء ترى ماذا الممثلون في هذا الشأن عندنا انا لا اجيب بل اترك الاجابة لكم .

نعم انا احترم المؤلف ونصه.. من دون شك الا إنني عند اخراج مسرحية ما .. احاول ان لا انفذ النص كما هو بل كما أتخيله وأعي ما أريد ان اقوله من خلال الضوابط الثلاثة (الاختيار، التوكيد، واعادة الترتيب) بروح معاصرة وهدف سام لخدمة الفن والجمال والواقع الاجتماعي اما اولئك الذين يحاولون في تجاربهم ان يلغوا سلطة المؤلف فهذا شأنهم وما زالت المناقشة قائمة بصدد هذا الموضوع وباختصار ان المؤلف المسرحي هو (الصاحب الشرعي للنص) والمخرج هو (مؤلف العرض المسرحي) ولا اعتقد ان هناك تعارضاً او تقاطعاً بين الاثنين. المعلم وتلامذته ..

* ماكومارايخ، مسز بارك، حقي الشبلي، ابراهيم جلال، جاسم العبودي، جعفر السعدي.. مرة ذكرت لي ما قاله (مايرخولد) من ان (…. وكلما ازدادت اصالة المعلم ازدادت صعوبة التحرر منه) هل تحررت من اساتذتك، متى تكون للفنان شخصيته المستقلة، وهل تدعو تلاميذك للتحرر منك؟
– نعم هذه مقولة لها دلالتها سواء قالها (مايرخولد) او غيره وانا اختلف عن كثير من الزملاء فأنا (وفي) لكل الذين تعلمت منهم او اثروا بي في سنين الدراسة وهو كم وفير من العلم والتجربة والتدريب والدراسة الاكاديمية خاصة في امريكا..
ولكي اجيب عن سؤالك (هل تحررت من اساتذتك) اذكر لك حادثة لها قيمتها ودلالتها بعدما انهيت دراستي عام 1965 في امريكا ورحت اودع استاذي الكبير (د.جون رانج) قبل عودتي الى الوطن قال لي بالحرف الواحد: انس ما تعلمته.. وأبدأ بنفسك من جديد، ما معنى هذه الكلمات؟ هل ان ما تعلمته كان رديئاً أم دون المستوى؟ اعتقد انه كان يقصد ان اتحرر تدريجياً من كل الذين ساهموا في تكوين شخصيتي الفنية وكل الذين ذكرتهم في سؤالك احترمهم وأستعين معهم على الذكريات وهذا ما سيحدث لتلامذتي سأبقى في ذاكرتهم وان شخصيتهم الفنية المستقلة بمرور الزمن ستكون مستقلة ان استمروا في العمل والعلم والثقافة وربط جذورهم بالحياة والارض والمصير المشترك. اسقاطات 

* غوركي، تشيخوف، توفيق الحكيم، محفوظ، قباني، الموسيقى لدى عبد الوهاب واسمهان، شخصيات تأثرت بها وانعكست اعمالهم في كتاباتك واعمالك المسرحية خاصة وانت مؤلف (التقرير) عام 1980 الجيل المهزوم 1999، الجائزة 1969 (نشيد الارض 1974) الحرباء 1990، (السائل والمسؤول (درب الملايين) و(ردهة رقم 6) و(الزهرة الياقوتية) و(الخاطف والمخطوف) ماذا عن التيارات الحديثة والتجارب المسرحية الجديدة ايضاً؟
– نعم.. كل الاسماء التي ذكرتها وهناك آخرون يمكن ان تكون لهم اسقاطات في (كتاباتي المسرحية) اذ ان تشكيل ذوق الفنان لم يأت من شخصية واحدة مهما كانت مؤثرة وانما بعدة عوامل طبيعية ووراثية وتنويرية ونفسية وحتى بايلوجية ولا اخفي عليك ان هناك مقولة لا ادري هل انا مؤلفها تقول (امنا الارض وابونا الزمن) نعم ان مرجعيتي الاولى لا تزال هي الطبيعية ان لها قانونها وتحولاتها ولغتها من خلال اليوم الواحد والاسبوع والشهر والسنة والعقد والقرن الواحد انني احتضن الطبيعة واسمع نشيدها واشم التراب والاعشاب واغازل الاشجار والازهار واطرب لموسيقى خرير الماء المنساب من الجداول بهدوء ورع وكذلك تدفق الماء المتفجر من حمامات قلب الهضاب والجبال. ان الطبيعة (الارض) هي امنا منها خلقنا واليها نعود..
هذه حتمية لا نقاش فيها. اما عن التيارات الحديثة في الادب والفن فأقتنص اية فرصة لكي اطلع عليها وبالمناسبة شاهدت في حزيران 1987 في (هافانا) مسرحية لا اتذكر اسمها ورغم طولها عدة ساعات الا انني تمكنت من ان اقارن ان هناك وشائج صلة بين مسرحنا العراقي ومسرح كوبا في نواح عديدة (طرح المشكلة الاجتماعية) و(تكنيك الممثل) والاخراج واحترام الجمهور للمسرح الجاد الممتع) اجيال اخرى

*هناك اجيال واجيال ظهرت بعدكم، اجيال اخرى اساليب اخرى هل لفت انتباهكم بعض هذه الاسماء ؟
-نعم ظهرت اجيال رغم اختلاف الاساليب والمناهج واول جيل اتى بعد جيل (ابراهيم جلال وجعفر السعدي وجاسم العبودي وسامي عبد الحميد وبدري حسون فريد هو جيل (قاسم محمد) وسعدون العبيدي وسليم الجزائري ومحسن العزاوي ثم جاء جيل آخر هو (عوني كرومي) صلاح القصب، فاضل خليل، عقيل مهدي، عادل كريم، وجدي العاني، فخري العقيدي، فتحي زين العابدين) ثم جيل آخر (هاني هاني، عزيز خيون، ثم ناجي عبد الامير، ناجي كاشي، حيدر منعثر وغانم حميد) وآخرون وهناك التماعات فنية قادمة .
الرحمة والمغفرة وطيب الذكر للكبير الراحل بدري حسون فريد .

0 التعليقات: