أخر الأخبار

.

السنونو .. في ذاكرة جيل أيام زمان



السنونو .. في ذاكرة جيل أيام زمان




عراق العروبة
نايف عبوش




ذكرني أحد الزملاء ، بطائر السنونو ، والذي يعرف بالخشاف، في بعض مناطقنا الريفية . إنه حقاً جزء من ذاكرة جيل، تعايش معه في نفس الدار أيام زمان . كان يأتي مهاجرا بأسراب إلى ربوع الديرة ، في أوائل فصل الربيع من كل عام ، حاملا على جناحيه بشائر موسم الربيع ، وبوادر الصيف ، واسدال الستار على برد الشتاء .

ولأنه طائر مسالم( لايذ بالبخت)، كما كانت الختيارات تلقننا يوم ذاك ، لتحذرنا من المساس به، أو صيده، او ايذائه . لذلك كان الصبيان ينظرون إليه بعين الشفقة تماماً . فلا يسئ إليه أحد منهم ابدا، ولا يتعرض له بأذى، ولا يقدم على هدم عشه، ولا يصطاده .

لقد اعتاد هذا الطائر الوديع، أن يعشعش في سقف غرف بيت الطين، ويبني عشه معلقا بأعمدة السقف، من القش المخلوط بالطين، بطريقه جميلة في زوايا بيوتنا . وقد تفنن اهلنا في الشفقة به ، وذلك بوضع صفيحة ، او لوحة خشب اسفل العش، لحماية الفراخ من السقوط ، وكذلك منع تساقط الفضلات علي أرضية الغرفة .

ولقد اعتاد السنونو أن يزقزق في الصباح الباكر بصوت رخيم، كأنه يرتل لحن التفاؤل بحلول يوم جديد، فكنا نستيقظ على وقع نغم زقزقته ، ونستلقي على ظهورنا لنتطلع بشغف إلى حركة منقاره وهو يفغر فاه بتلك الزقزقة الجميلة .

وكان السنونو دائم التحليق في سمائنا ، وفي باحات بيوتنا، بحركات بهلوانية مدهشة، حيث يعمد إلى الرحيل في نهاية موسم الربيع ، عائداً الى موطنه من حيث أتى، ليعود إلينا ضيفاً عزيزاً في مطلع الربيع القادم .

لكننا اليوم افتقدناه مع سكننا في البيوت الأسمنتية العصرية، المغلقة الأبواب ، إذ بات يتعذر عليه الدخول إليها ، ويصعب عليه تثبيت عشه في سقوفها الأسمنتية ، حيث لا أعمدة خشبية لها ليلصق عشه عليها . وبذلك لم نعد نسمع زقزقته الرقيقة، وخسرنا الاستمتاع بانغام تلك السيمفونية الساحرة، وغاب عنا مشهد حركة طيرانه الحلزونية الممتعة ، ليبقى مشهد السنونو مجرد ذكرى عالقة في أذهاننا ، نستذكرها ، ونحن إليها ، كلما عدنا بالذاكرة إلى أيام زمان .

0 التعليقات: