أصداف : في التاريخ والسياسة
أصداف : في التاريخ والسياسة
عراق العروبة
وليد الزبيدي
ثمة حاجة لاستحضار الشخصيات التي تركت إرثا إيجابيا، وتزداد هذه الحاجة عندما يسهم استذكار هؤلاء ببث الوعي والحماس ويبذر في نفوس الأجيال ما يفيد في ثلم وتفكيك محن الأوطان والشعوب .
وقد وجدت في كتاب الدكتور عبد الحسين شعبان الباحث والمفكر الذي صدر مؤخرا بعنوان ” الإمام الحسني البغدادي مقاربات في سسيولوجية الدّين والتدّين ” العديد من الرسائل التي تصب في مجرى التوعية وتفعيل العقل وتنبيه الكثيرين من شطط محتمل ومن انحدار متوقع ، كما أن ثمة سطورا تحذر المنزلقين والمنفلتين وأخرى تمنح فرص طيبة لتصحيح مسار من أخطأ ومن توهم ومن نسي أن التاريخ” لا يرحم” ، وأن الأجيال تستشهد بالأحداث والوقائع وتستعيدها في كل زمان .
أكثر من عامل دفعني لقراءة الكتاب رغم أن العديد من الكتب في زاويتي سبق وخططت لقراءتها، من بين تلك العوامل، أنني لا بد من التعرف على جديد الصديق العزيز الدكتور شعبان الذي أهداني نسخة من مؤلفه الجديد، والعامل الثاني الرغبة بالتعرف على تاريخ هذه العائلة الكريمة، حيث ارتبط بعلاقة صداقة مع حفيد الشخصية الوطنية التي تناولها الكتاب، هو السيد الأحمد الحسني البغدادي، إذ طالما تجاذبنا أطراف الحديث في سوريا، وهو شخصية وطنية له مواقفه المشرفة بعد حقبة غزو العراق واحتلاله، وله الكثير من الأبحاث والمؤلفات .
وجدت الكثير من التطابق والتشابه بين شخصية الجد والحفيد، فقد كانت للجد البغدادي المواقف الثابتة في وجه المحتلين البريطانيين قبل نحو قرن أي في بدايات القرن العشرين، ويقول عنه الدكتور شعبان ” وبدا الحسني البغدادي أبعد عن رجل دين تقليدي، وأقرب إلى “ثوري” راديكالي كلاسيكي، يسعى للتغيير بجميع الوسائل لنصرة الحق وللوقوف إلى جانب المظلوم .
تقوم الفكرة المحورية التي يبحث فيها الدكتور شعبان في كتابه هذا على دراسة العلاقة بين الدّين والسياسة ليس في إطار تنظيري فقط ، وإنما يتجاوز ذلك إلى البحث التطبيقي، وقد وجد في فكر وسلوك وممارسات البغدادي المثال الأفضل، وأعتقد أن ما دفع بالباحث لطرق هذا الموضوع في هذا الوقت والخوض في عوالمه، هو الواقع الذي نعيش وهذا التداخل الخطير بين الدين والسياسة، لدرجة أن الكثير من العبث الذي يحصل في مجتمعنا على وجه الخصوص جاء نتيجة للتعمية وللتشعب وعدم الوضوح، وقبل ذلك الجهل الذي يهيمن على العلاقة بين الدّين والسياسة .
عاش السيد البغدادي في حقبة خطيرة، رغم أن جميع الحقب خطيرة وصعبة، لكن وكما يعرف الجميع، أن آواخر القرن التاسع عشر شهد طروحات للعديد من المفكرين تذهب صوب الحداثة وبناء الدولة في ضوء ما شهدته أوروبا على وجه الخصوص من انتقالات اقتصادية وسياسية، وفي بداية القرن العشرين حصلت تطورات داخل دول المنطقة وتصدى بعض علماء الدين لقضايا سياسية لم يكن مسموح طرقها قبل ذلك، ثم جاء انهيار الخلافة العثمانية وبعد ذلك انتهاء الخلافة، ودخول البريطانيين المنطقة بالثقل المعروف .
وعندما نستعيد مواقف الرجل، فأننا نقف عند تخوم تجربة ثرّة وتاريخ مضيء ، ومن بين محطاته الكثير نقطف الحكمة والموقف والثبات .
0 التعليقات: