الإسلام بين الإسهاب والإطناب !!
الإسلام بين الإسهاب والإطناب !!
عراق العروبة
د . صادق السامرائي
أسهبَ: أطال وتوسّع
أطنبَ: أكثرَ وبالغ
الدين يسير وبسيط لكن الميل إلى جعله عسيرا تواصل معه منذ البدايات الأولى , والسبب ربما يكون لأغراض المتجارة وتحويله إلى بضاعة , وإستحواذ البعض على المعرفة به .
فعندما نتصفح الشروحات والتفاسير القرآنية نقف أمام أكداس هائلة من الموسوعات التفسيرية , التي لا يمكن لعقل أن يستوعبها ويلم بها مهما توهم , ولا تزال الإمعانات في خوض عباب التفسير والتأويل متعاظمة , حتى لتحقق التشويش والتشويه .
ومنذ البدايات نبه المسلمون الأوائل إلى ضرورة تيسير الدين , لكن الإتجاه التعسيري هو الذي تمكن وتحقق في الحياة , مما أدى إلى مآلات ذات تداعيات خطيرة تعاني منها الأمة وتئن الأجيال .
فهل يُعقل أن المسلم يمكنه أن يقرأ ما يقرب من ثلاثمئة صفحة لتفسير سورة الفاتحة كما جاء في تفسير الرازي , وهل يُعقل أن المسلم العادي يمكنه أن يقرأ ثلاثين كتابا في تفسير القرآن ؟!
إن المسلمين بما إطلعوا عليه من معارف وعلوم قد أسهموا بتعقيد الدين وربما تدميره , خصوصا ونحن في عصر بحاجة للإيجاز والتبسيط والتكثيف , والقدرة على إيصال المعنى والفحوى بأقل الكلمات الدالة المبينة .
ويبدو أن هذا الإسهاب والإطناب والإفاضة الشديدة , ربما أسهم وبقوة بتجهيل المسلمين وأميتهم الدينية بمعناها المقاصدي والسلوكي , وأصبح من الصعب على المسلم أن يعرف دينه حق المعرفة , لأنه سيغرق وسيختنق ويفقد الوعي والفهم والإدراك .
فالمسلم لا يحتاج لأكثر من مختصر تفسير الطبري , بل وربما أقل من ذلك , ولبضعة كلمات لتفسير سورة الفاتحة , والمهم أن يعرف الطريق المستقيم الذي هو لبها وجوهرها , ولا يريد أن يقرأ كتابا أو كتبا لتفسيرها , فهذا لا يضيف إليه شيئا , وقد يبعده عن الإقتراب من الدين المقدم إليه على طبق مطلسم ومعقد ومدغم .
وعليه فأن المفكرين المسلمين المعاصرين سيرتكبون خطيئة كبيرة , إذا ساروا على خطى الأولين وتجاهلوا إرادة زمانهم ومكانهم والسلوك البشري المعاصر , وعليهم أن يتقنوا فن الإيجاز والتكثيف والتبسيط والتوضيح بكلمات سهلة ومفهومة , أما الخوض في متاهات السابقين فأن ذلك يعني أنهم سيساهمون بتجهيل المسلمين وتغريب الإسلام , وحشره في الكتب وركنه فوق الرفوف .
ولايزال واقع المسلمين خاليا من الفقهاء المُبسطين المنورين القادرين على تسهيل أمور الدين , وتوضيح آيات القرآن بكلام بليغ مختصر وأمين , يحفظ معاني الدين وجوهر آيات القرآن الكريم .
وهذه مشكلة أو معضلة لايزال العارفون بالدين لا يشيرون إليها ولا يعملون بموجبها , ومعظمهم يغرق في أكداس كتبٍ لا يمكنه النجاة منها وتنفس هواء عصره .
والمطلوب من الفقهاء والعلماء التبصر بحاجات الإنسان , والإجتهاد في تأليف المختصرات الكفيلة بتعليم فحوى الدين .
فالإطناب والإسهاب لا يعنيان المعرفة , وإنما قد يشيران للإضطراب !!
فلا تطنبوا ولا تسهبوا وكونوا من الذين يختصرون ويوفون !!
0 التعليقات: